वह आदमी जिसे हिलाया नहीं जा सकता
الرجل الذي لا يمكن تحريكه
शैलियों
كل شيء مقدر له التغير، كل شيء فان على هذا الوجود، كل شيء عبد للزوال، هل سأتغير إن أنا أقرضتها المال، كان ذلك قبل شهر من الآن، ربما هي قامت ببناء مدرسة في النيبال، أو رممت ديرا قديما في كوالالمبور، ولم أجد الرابط المقدس بين الدير في كوالالمبور والتغير الذي سيطرأ على حياتي، مع أن السبب الوحيد الذي يجعلني أهتم لهذا التغير هو الفضول الذي يدفعني للتساؤل، إذا تغيرت فماذا سأصبح؟ إلى أي مدى يمكنني أن أتغير؟ وهل سأقبل بكل تلك النتائج؛ كل تلك المخاطر؟ هل سأرضى إن أنا أصبحت شخصا آخر، شخصا يهتم، أو هل سيرضيني إن أنا صرت القدر نفسه؟ وكان التفكير في ذلك مرعبا. تملكتني وقتها رعشة وأنا أقرأ تلك الرسالة، وأعتقد أن تلك الرعشة هي ما دفعتني لأرسل المال لزوجتي، المال الذي جمعته طيلة حياتي، مدخراتنا كلها؛ لأنه وببساطة كان يجب أن أراهن، أن أخاطر بكل شيء، إما أن أصير مجرد فرد آخر في قطيع هذه الحياة، أو أن أتحول إلى القدر نفسه، القدر الخاص بي، قدري أنا ، فبداخلي رجل لا يمكن تحريكه من طرف أي قدر كان.
اقتربت من المشرد وجلست إلى جانبه، لم يرفض ذلك، بل ابتسم لي، وأخرج مجددا تلك النقود التي رفضتها صباحا، حاول أن يقنعني بأخذها، ما كان بإمكاني أن أفهمه ما أقول وما كان بإمكاني أن أفهم كلامه العربي، وأشرت إلى النادل العربي وطلبت منه أن يجلس إلى جانبنا، وضعت المدونة الزرقاء وطلبت من النادل: أخبره أنني لست بحاجة إلى المال، أنا فقط أود أن أجلس إلى جانبه.
وتكلم النادل بلسانه العربي بما قلت، أرجع المشرد ماله وابتسم لي، ثم تحدث إلى النادل، لم أكن أفهم ما يقول، لكن النادل قام بترجمة حديثه وقال لي: هل تود أن أقدم لك شيئا؟ - لا شكرا، أخبرني فقط بما قاله لك الآن.
ابتسم النادل وقال لي: أخبرني أنه سيدفع لي مبلغا محترما إن أنا قمت بخدمتك هذا المساء، أثناء بقائك هنا. - أنا أود أن أتحدث إليه، وسأحتاج إلى مترجم.
وقف النادل مكانه وقال: حسنا، انتظرني رجاء، سأنتهي من بعض الأمور وأعود، لن تأخذ مني سوى دقائق.
ثم نادى على صبي اسمه عمر وحدثه بالعربية قليلا ثم دخل إلى المقهى، بينما جلست أنا إلى المشرد أراقبه ويراقبني، وكان في كل مرة يهز رأسه مبتسما وكأنه في كل لحظة يرحب بجلوسي إلى جانبه. لم أكن أعرف لم أنا أجلس إلى هذا الغريب، فهو لم يطلب ذلك، ولو كان بمقدوره التساؤل لسألني عن السبب الذي دفع بفرنسي من الطبقة الراقية أن يجلس إلى جانبه، لكنه لم يفعل بل جلس يبتسم لي، وكأن كل تلك الفوارق انضمرت أمام الانتماء الوحيد الذي يشملنا جميعا؛ الإنسانية.
بعد مدة تقدم النادل وهو يحمل صينية الشاي، رتب الأمور على الطاولة، ثم جلس إلى جانبنا، قدم لنا الشاي، ثم عرض علي سيجارة، أخبرته أنني طبيب وأن هذه ستقتله عما قريب، ضحك وهو يشعل سيجارته وقال لي إن الرب هو الذي يحيي ويميت البشر، وليس سيجارة صغيرة، لم أعبأ بفلسفته تلك بل قلت له: اسأله إن كان مريضا، وأخبره أنني أملك عيادة بالقرب من هنا.
اقترب النادل برأسه إلى المشرد وأخبره بما قلت، ثم أشار إلي، لم أفهم ما قاله له لكنني رأيت المشرد العربي يرفض مبتسما، أشار بيده معبرا عن امتنانه، قال النادل لي: إنه ليس مريضا، ولكنه بحاجة إلى المساعدة، إن أردت ذلك، وهو يعرض عليك المال لقاء ذلك.
نظرت في عيني المشرد جيدا، وأخبرت النادل أنني أصغي لكلامه، وربما إن استطعت فإنني سأساعده من دون مقابل. كان النادل قد ترجم كلامي، وشرع يروي لي ما يقصه المشرد.
قبل زمن من الآن أو في حياة سابقة ... كنت سيدا على نفسي، وكنت أملك حياتي هذه، فأنا لم أولد يوما كعبد لأحد، كان في ما مضى، وبأحد الأماكن منزل طوبي لي، كان لي عائلة به، عائلة لم أهتم لها، كان لي اسم أيضا، محمد العلاوي، اسم رجل حر، اسم لم يكن له شأن وسط العرب، لكن على الأقل كان العرب ينظرون إلي كرجل شريف، والرجل الشريف عندنا هو رجل حر، يملك قراره وله كلمة اختياره، وقد كنت أشتغل بكل شيء، فقد من علي الرب بقوة أحسد عليها من قبل أقوى الرجال، فلم يخني جسدي في أي عمل، عملت حمالا، وتجولت في رحلات وكانت تلك مهنة والدي، أخذتها عنه وعملت راعيا أيضا، وقد افتخر سكان العرب بصنيع يدي، وقد اشتهرت صفة الرجولة والمروءة التي أمتلكها بين كل أسياد العرب، وقد تسابقوا للظفر بخدماتي، حتى إن بعض الفرنسيين لجئوا إلي في أيامهم الصعاب، وقد كنت أعلم منذ صغري بخبايا الأراضي كلها، وقد جلت الصحاري مع والدي، كان حمالا بدوره، وقد أمضيت طفولتي إلى جانبه، نتجه إلى الصحراء في رحلات، لم يكن لنا بيت نرتبط به، بل ولم يكن يجب أن يكون لنا واحد، فقد أخبرني والدي أن المنزل من دون ربته ليس بمنزل، علمت منذ طفولتي أن والدتي توفيت أثناء إنجابي، وأن والدي حزن عليها حزنا جعله ينسى المنزل الذي جمعهما يوما. ولما كنت أسأله عن المنزل الذي عاشا به سابقا، كان يقول: بني، حبيبي، إن منزلنا رفع إلى السماء مع والدتك، هي هناك تنتظرنا به.
अज्ञात पृष्ठ