وروى ذلك الطحاوي عن الواقدي.
قلت: الواقدي ضعيف، والعبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب والمحل، ونحن جعلنا حديث بئر بضاعة شاهدا لصدر حديث ثوبان وأبي أمامة، والله أعلم.
فإن قلت أن الرازي قد قال: وأما قصة الغدير فجائز أن (ق ١٤ / أ) يكون الجيفة في جانب منه، فأباح ﵇ الوضوء من الجانب الآخر.
قلت: أما تجويز أن يكون في جانب منه فمسلم، بل جاء ذلك في رواية ابن أبي شيبة، وأما أنه أباح لهم
من جانب آخر، فليس في الحديث ولو كان لتوفرت الدواعي على نقله، فلما لم يروا لنا أنه أمرهم بجانب دون جانب كان على إطلاقه، فإن قلت: قال الرازي: قوله "الماء طهور لا ينجسه شيء" لا دلالة له فيه على جواز استعماله، وإنما كلامنا في جواز استعماله بعد حلول النجاسة فيه، فليس
يجوز الاعتراض به على موضع الخلاف؛ لأنا نقول أن الماء طهور لا ينجسه شيء، ومع ذلك لا يجوز استعماله إذا حلت نجاسته، ولم يقل النبي ﷺ أن الماء إذا وقعت فيه نجاسة، فاستعملوه حتى يحتج به. قلت: هذا إنما يتوجه منه على من يقول بأن الماء لا ينجس بوقوع النجاسة فيه قليلًا كان أو كثيرًا؛ لأنه يقول يجوز استعمال الجانب الآخر، ثم هو قاصر على لفظ حديث بئر بضاعة، ولا يتوجه عليه لفظ حديث الغدير؛ حيث قال ﷺ: "استقوا، فإن الماء لا ينجسه شيء" (١) فإن قلت: ما الفرق بين الماء والمائعات التي قاس عليها الرازي، وإن كان كلامه مع من ذكرت. قلت: الفرق من جهة المعنى بعد ورود النص أن المائعات تصان بالأواني، فلم يكن فيها ضرورة بخلافها الغدران ونحوها. وقد علمت أن قوله علمنا بوجود النجاسة كمشاهدتنا
لها إنما يتوجه على من زعموه مذهبًا لأصحاب الطاهر وعليه مالك في القليل، فإن ألزمنا به في ماء الغدران عارضناه بالنص، وأما الماء المستعمل فهو كل ماء أسقط فرض التطهير عن عضو واستعمل على وجه القرية. قال شمس الأئمة السرخسي وأبو عبد الله الجرجاني (٢) لا خلاف بين الثلاثة
_________
(١) سبق تخريجه.
(٢) هو يوسف بن علي بن محمد الجرجاني أبو عبد الله تفقه على أبي الحسن الكرخي كان عالما تفقه على أبي حنيفة ﵁ وأصحابه ومن تصانيفه خزانة الأكمل فى ست مجلدات، وترجمته في الجواهر المضية (٢/ ٢٢٩)، تاج التراجم (ص/٣١٨).
1 / 50