وكان جماعة من المشاهدين يتجاورون ويخلصون نجيا، تبدو على وجوههم آي النبل والنعيم، فقال أحدهم وهو يرفع حاجبيه متأملا متعجبا: كم من فرعون اطلع على هذه الجموع الحاشدة، وشاهد هذا اليوم العظيم! .. ثم ذهبوا جميعا كأنهم لم يكونوا ملء الصدور، ملء الأبصار والأفئدة!
فقال آخر: نعم ذهبوا ليحكموا عالما أجل من هذا العالم، كما سنذهب جميعا .. انظر إلى هذا المكان الذي أشغل .. كم من البشر سوف يشغله في الأجيال المقبلة، ويجدد الآمال والأفراح التي تخفق في صدورنا الآن .. ترى هل يذكروننا كما نذكرهم؟ - إننا أكثر من أن يذكرنا مذكر .. ألا ليت الموت لم يكن. - وهل كان يمكن أن يسع الوادي تلك الأجيال التي ذهبت؟ إن الموت طبيعي كالحياة .. وما قيمة الخلود ما دمنا نشبع بعد الجوع، ونشيخ بعد الشباب، ونسأم بعد المسرة؟ - فكيف يعيشون في عالم أوزوريس؟ - انتظر، ستعلم ذلك بعد حين.
وقال آخر باهتمام: هذه أول مرة يسعدني الرب برؤية فرعون.
فقال له صاحبه: أما أنا فقد رأيته يوم التتويج العظيم منذ أشهر في نفس المكان. - انظر إلى تماثيل أجداده الأماجد. - سترى أنه قريب الشبه بجده محتمساوف الأول. - ما أجمل هذا! - أجل .. أجل .. إن فرعون شاب جميل، لا نظير له في طوله الفارع، وحسنه الجاهر!
وتساءل أحد المتحدثين قائلا: ترى ماذا يخلف حكمه؟ .. أمسلات ومعابد، أم ذكريات غزو في الشمال والجنوب؟ - إن صدق حدسي فهي الثانية. - ولمه؟ - إنه شاب عظيم البأس.
فهز الآخر رأسه بحذر وقال: يقال إن شبابه من نوع جامح، وإن جلالته ذو أهواء عنيفة، يغرم بالحب، ويهوى الإسراف والبذخ، ويندفع في سبيله كالريح العاصفة!
فضحك المستمع ضحكة خافتة، وهمس قائلا: وهل في ذاك ما يدعو إلى العجب؟ ما أكثر المصريين الذين يغرمون بالحب ويهوون الإسراف والبذخ! .. فما بالك بفرعون؟ - صه .. صه .. أنت لا تدري من الأمر شيئا، ألم تعلم بأنه اصطدم برجال الكهنوت منذ اليوم الأول لتوليته العرش؟ إنه يريد المال لينفقه في تشييد القصور، وغرس البساتين، والكهنة يطالبون بنصيب الآلهة والمعابد كاملا. لقد منحهم آباء الملك نفوذا وثراء، والملك الشاب ينظر إلى هذا بعين الطمع. - حقا إنه محزن أن يبدأ الملك حكمه بالاصطدام. - أجل .. ولا تنس أن خنوم حتب، رئيس الوزراء والكاهن الأكبر، رجل حديدي الإرادة، شديد المراس. وهناك أيضا كاهن منف، تلك المدينة المجيدة التي لحقها الأفول على عهد هذه الأسرة الجليلة.
فارتاع الرجل لهذه الأخبار التي تصك أذنيه لأول مرة، وقال : إذن فلندع الأرباب جميعا أن تلهم الرجال الحكمة والأناة والرأي السديد.
فقال الآخرون بإخلاص صادر من الأعماق: آمين .. آمين.
ولاحت من أحد الواقفين التفاتة إلى النيل، فلكز صاحبه بمرفقه قائلا: انظر أيها الصديق إلى النهر .. لمن يا ترى هذه السفينة الجميلة الآتية من جزيرة بيجة، كأنها الشمس صاعدة من الأفق الشرقي؟
अज्ञात पृष्ठ