فناء الحركات، فقال: إنه تفنى حركات أهل الجنة، والنار حتى يبقوا في سكون دائم لا يقدر أحد منهم على حركة" (١) .
وزعم طائفة ممن وافقهم على امتناع حوادث لا نهاية لها، كأبي الحسن بن الزاغواني (٢)، أن هذا القول هو المقتضى القياس العقلي، لكن السمع لما جاء ببقاء الجنة، والنار، قلنا به (٣)، ولم يعلم أن ما كان ممتنعا في العقل لا يجيء السمع بوقوعه، فإن السمع لا يخبر بوجود ما كان ممتنعا في العقل (٤) .
والأكثرون الذين وافقوا جهما، وأبا الهذيل على أصلها، فرقوا بين الماضي، والمستقبل من جهة العقل، بأن الماضي قد دخل في الوجود بخلاف المستقبل، والممتنع إنما هو أن يدخل في الوجود ما لا يتناهى.
وقد بسط الكلام على هذه الأقوال في غير هذا الموضع (٥)، وبُيِّنَ غلط أصحابها، وأن الماضي إذا قيل: لا يتناهى، فإنما المراد أنه لا ابتداء له، فلم ينته من طرف الابتداء، وإلا فإذا قدر ماضيا منتقضا، فقد تناهى.
_________
(١) ما بين القوسين ذكره الإمام ابن القيم في حادي الأرواح ص ٣٤٠ وعزاه لشيخ الإسلام.
(٢) هو الإمام العلامة شيخ الحنابلة، كان من بحور العلم كثير التصانيف مع دين وتقوى وزهد وعبادة توفي سنة ٥٢٧هـ سير أعلام النبلاء ١٩/٦٠٥.
(٣) يريد بالسمع الدليل الشرعي من الكتاب والسنة.
(٤) وعليه فإنه لا يمكن أن يتعارض النقل الصحيح مع العقل الصريح وقد ألف شيخ الإسلام ابن تيمية في ذلك كتابا كبيرا يقع في عشرة مجلدات بعنوان "درء تعارض العقل والنقل" أو "موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول" تحقيق د. محمد رشاد سالم، وهكذا الإمام ابن القيم أبطل شبهة من يزعم بأن هناك تعارضا بين الشرع والعقل الصريح الخالي من الشبهات وذلك من مائتين وخمسين وجها" الصواعق المرسلة ج٣، ج٤ تحقيق د. علي الدخيل الله.
(٥) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ٨/١٥٣-١٥٤، ١٢/٤٥.، "درء تعارض العقل والنقل" ٨/٣٤٥.
1 / 45