ولولا فضل الإعلان ما تسنى للذين ضربتهم العلل، وقست عليهم الأسقام وألحت الأوجاع والآلام أن يبرءوا من عللهم، ويتخلصوا من آلامهم وأوجاعهم في مثل هذا الزمن اليسير، والشفاء مكفول، وإلا فالمال مردود، وموفى غير منقوص.
ومن الآيات التي تشهد لمصر بالبراعة والفوقان في فن الإعلان، أنك ترى صاحب مصنع الأثاث مثلا، يجلو صورته هو بدل أن يجلو عليك صورة كرسي، أو سرير، أو ثريا، أو صندوق، أو منضد «ترابيزة»، فإن الإنسان، من غير شك، أكرم وأشرف من كل ما على وجه الأرض من صنع الإنسان، ثم إنه من غير شك أيضا، أحسن خلقا وأجمل شكلا من كل ما أخرجت مصانع الشرق والغرب من فاخر السرر والكراسي والصناديق والثريات والأنضاد، أليس قد قال الله تعالى في كتابه الكريم:
لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ،
1
صدق الله العظيم.
أما التبريز في العبقريات وإصابة غاية الغايات، ففي التفات صاحب المطعم عن أن يصور في إعلانه عن طعامه حملا مشويا، أو أرنبا بريا، أو ديكا روميا، أو سمكا طريا، أو طاجنا «فرنيا»، أو ثمرا جنيا، أو كامخا شهيا، أو نحو ذلك مما يزعمون أنه يبعث الشهوة إلى الطعام، ويحفز المعدة للازدراد والالتقام، بل تراه لا يلتفت في إعلانه عن هذا الكلام الفارغ، ويصور شخصه هو وعلى ثغره ابتسامة أحلى وأشهى من كل ما أنضجت الأفران من حلوى وسمك ولحمان، ومن كل ما حملت الأغصان من فاكهة ونخل ورمان.
أصدقت بعد هذا أننا قد بززنا الأمريكان في فن الإعلان؟
التأمين على الموت
وسيأخذك العجب حين يقع بصرك على هذا العنوان، وستوجه الأمر على الخطأ، فتظن أنني أردت أن أقول: «التأمين على الحياة» فقلت: «التأمين على الموت» فبين الحياة والموت تضاد، والتضاد من أقوى العلاقات، وقد يتبادر إليك الظن بأنني أعبث أو أمزح بقلب المعنى، والدلالة بالنقيض على النقيض!
أنني أؤكد لك يا سيدي القارئ أنني لم تلحقني خطأ، ولم يزلقني غلط فقد تحريت هذا القول تحريا وتعمدته تعمدا، وأؤكد لك ثانيا أنني لا أقصد إلى عبث ولا إلى مزاح، فالأمر أجل من ذلك وأعظم، وستعلمن نبأه بعد حين!
अज्ञात पृष्ठ