आधुनिक दर्शन की कहानी

ज़ाकी नजीब महमूद d. 1414 AH
45

आधुनिक दर्शन की कहानी

قصة الفلسفة الحديثة

शैलियों

وتستطيع أن تلمس الحالة الطبيعية الأولى في سلوك الدول الآن بعضها مع بعض، حيث لا يربطها ما يربط أفراد المجتمع الواحد؛ إذ كل منها تسعى لنفسها بغض النظر عن الأمم الأخرى، وليس بينها «أخلاق» مرسومة تحدد تصرفاتها؛ لأن الأخلاق لا تكون إلا حيث توجد سلطة معترف بها، فإن استطاعت دولة أن تظفر بشيء من القوة كان لها حقا غير منازع.

7

وما ذكرناه عن الدول صحيح كذلك بالنسبة لأنواع الحيوان، فهي متنافسة متنازعة لا تعرف معنى للتعاون والإيثار، وكل نوع يحاول أن ينتفع على حساب الأنواع الأخرى؛ وذلك لأنه ليس بينها أخلاق مقررة أو نظام للتعامل معترف به تقوم على صيانته هيئة مطاعة.

هذا التنافر والتنافس الذي تراه بين الأنواع المختلفة، كما تراه بين الدول، كان يسود الأفراد قبل أن يتعاهدوا على تكوين مجتمع تصان فيه مصالح الأفراد، ولا يكون الحق فيه مرتكزا على القوة، وقد دفع الناس إلى تكوين المجتمع شعورهم بالحاجة إلى التعاون والتآزر على درء الخطر، إذ لم يستطع الفرد وحده أن يدفع عن نفسه كل ما كان يهدده من أخطار، وأن يحصل في الوقت نفسه ضرورات الحياة، فلكي يهون الإنسان على نفسه أمر الدفاع عن النفس، حتى يتفرغ لشئون الحياة، مال بطبعه إلى النظام الاجتماعي، ومن هذا ترى أن الناس ليسوا مهيئين بطبيعتهم لاحتمال النظام الاجتماعي، ولكن الخطر هو الذي ولد فيهم الاجتماع، والاجتماع يغذي ويقوي الغرائز الاجتماعية شيئا فشيئا «فلا يولد الإنسان لكي يكون مواطنا (أي فردا من مجتمع)، ولكنه يجب أن يراض على ذلك.»

فمعظم الناس تحتبس في صدورهم ثورة على التقاليد والقوانين؛ لأن الغرائز الفردية أقوى وأرسخ من الغرائز الاجتماعية، ولذا كانت هذه الأخيرة في حاجة إلى مران وتدريب. ويزعم سبينوزا أن ليس الإنسان خيرا بطبيعته (كما ذهب روسو)، ولكن الاجتماع هو الذي يولد التراحم والتعاطف، فلا يسع الإنسان إلا أن يعطف على ذويه وعشيرته،

8

ثم على أمته، ثم على الإنسانية جميعا.

ولقد رضي الإنسان - حينما قبل أن يكون عضوا في المجتمع - أن يتنازل عن بعض قوته، فلكل فرد أن يستعمل قوته في اكتساب مصالحه على شرط ألا يتعدى على حرية الآخرين التي يجب أن تكون مساوية لحريته، وبذلك يكون الفرد قد أعطى للجماعة جزءا من قوته الطبيعية في مقابل أن تمكنه الجماعة من استغلال ما بقي له من القوة إلى أقصى حد مستطاع دون أن يخشى على نفسه خطرا واعتداء، ولكي يستطيع المجتمع أن يصون للأفراد ما تعهد لهم به من طمأنينة وأمن أوجد قانونا يحدد تصرفات الناس ومعاملاتهم، وقد اضطر المجتمع إلى وضع هذا القانون؛ لأنه يعلم أن الناس مدفوعون في حياتهم بعواطفهم، والعواطف وحدها عمياء لا تدري أين تسوق صاحبها، بحيث ينتفع ولا يضر الآخرين، فلو كان الناس جميعا مسوقين بالعقل لما كان للمجتمع حاجة إلى القانون، فالقانون في الواقع بالنسبة إلى الأفراد بمثابة العقل من العواطف، أو هو يجب أن يكون كذلك.

فكما ارتأى «سبينوزا» في «الميتافيزيقا» أن هنالك حكمة مدبرة وعقلا منظما يكمن وراء الأشياء، وعلى الفيلسوف أن يدرك ما وراء فوضى الأشياء الظاهرة من انسجام واتساق، وكما ارتأى في «الأخلاق» أن الحكمة هي في إيجاد التعاون والنظام بين الأهواء المتضاربة والشهوات المتنافرة، كذلك في السياسة أيضا يرى أن أساس المجتمع نظام خفي كامن وراء نزعات الأفراد المتضاربة في الظاهر. فالدولة الكاملة ينبغي ألا تحد من قوة الفرد إلا بمقدار ما تتقي به خطر هذا الفرد على بنائها وكيانها، وهي في الوقت نفسه يجب ألا تنزع من الأفراد حرية إلا إذا أضافت إليهم أكبر مما انتزعت. «ليس الغرض الأقصى من الدولة أن تسيطر على الأفراد، ولا أن تكممهم بالمخاوف، ولكن الغاية منها أن تحرر كل إنسان من الخوف، حتى يستطيع أن يعيش ويعمل في أمن تام دون أن يضر نفسه أو يؤذي جاره. إني أكرر القول بأن ليست غاية الدولة أن تحول الكائنات العاقلة إلى حيوانات متوحشة أو آلات، بل إن الغرض منها هو أن تمكن أجسامهم وعقولهم من العمل في أمن، غايتها أن تهيئ للناس عيشا يستمتعون فيه بعقول حرة، حتى لا ينفقوا قوتهم في الكراهية والغضب والكيد وإساءة بعضهم إلى بعض، إن غاية الدولة الحقيقية هي أن تكفل الحرية.»

الحرية هي غرض الدولة الأسمى؛ لأنها يجب أن تعمل على الرقي والنمو والكمال، والرقي إنما يعتمد على مقدرة الأفراد وكفايتهم بشرط أن تجد مجال العمل أمامها حرا طليقا، ولكن ماذا يفعل الأفراد إن طغى الحكام وقيدوا حريتهم ونموهم؟ يجيب «سبينوزا» عن ذلك بأن واجب الفرد هو طاعة القانون - حتى ولو كان جائرا ظالما - ما دامت السلطة الحاكمة لا تمنع الناس من حرية الكلام والنقد والاحتجاج، «وإني أعترف بأن بعض النتائج السيئة قد ينشأ من مثل هذه الحرية. ولكن أية مسألة قد اتبع فيها رأي حكيم فاستحال عليها أن تنتج السوء؟» إن القوانين التي تلجم الأفواه، وتحطم الأقلام تهدم نفسها بنفسها؛ لأنه لن يلبث الناس أمدا طويلا على احترامهم للقوانين التي لا تجيز لهم أن ينقدوها: «كلما جاهدت الحكومة أن تنتقص من حرية الكلام كانت مقاومة الناس إياها أشد ... فقد جبل الناس بوجه عام على ألا يشتد قلقهم، ويفرغ صبرهم من شيء بقدر ما يحدث ذلك عندما تعد الآراء - التي يعتقدون أنها حق - جرائم تعارض القانون ... وعندئذ لا يعتبر الناس أن مقت القوانين ومقاومة الحكومة عار، بل هو في هذه الحالة شرف عظيم.»

अज्ञात पृष्ठ