2
وساحل البحر من المرية إلى جبل طارق، وقدر للعرب بعد هذه الفتوح أن يستمر حكمهم بغرناطة قرنين ونصف قرن.
وكان للعرب جيش ومنعة في هذه البقعة التي أحاط بها أعداؤهم من كل جانب، فإن الجنود الأشداء الذين فروا من المدن بعد استيلاء النصارى عليها هرعوا إلى الملك الباقي من ملوك المسلمين ليقدموا سيوفهم وسواعدهم لخدمته، وقد قيل إن خمسين ألفا من العرب قدموا على سلطان غرناطة من بلنسية، وشريش، وقادس، ومع كل هذه القوة وهذا السلطان كانت غرناطة تومئ لملك قشتالة بالطاعة، وتؤدي إليه الإتاوة كل عام، وكان منشئ دولة بني نصر عربيا يدعى ابن الأحمر
3
لشقرة فيه، وكان شديد المراس قوي الأسر، غير أنه لم يستطع الوقوف في وجه النصارى؛ لأن إسبانيا كلها إلا قليلا أصبحت في أيديهم، فخضع ابن الأحمر مرغما لهم، وأدى الإتاوة لفرديناند، ثم لابنه ألفونسو «العالم» وإن حاول مرات أن يخلع نيرهم ويتحدى قوتهم، وفي غضون هذه الفترة ترك ملوك المسيحية غرناطة وشأنها؛ لأنهم شغلوا بتوطيد دعائم الملك فيما فتحوه من البلاد، وبمكافحة كل دعي في الملك دخيل.
وطالما حاول العرب في حروب متعاقبة أن يتغلبوا على المسيحيين ويتفلتوا من أيديهم، ولكنهم قنعوا في النهاية بالمنزلة التي وضعهم فيها القدر، وكانت الإتاوة التي يؤديها محمد العاشر إلى المسيحيين لصيانة مملكته في سنة 1463م/868ه اثني عشر ألف دوكات.
4
وكانت لغرناطة منزلة قرطبة في إنهاض الآداب والعلوم في أثناء هذا الهدوء السياسي، فكان لبنائيها ومهندسيها شهرة ذائعة في أرجاء أوربا، فهم الذين بنوا الحمراء التي دعيت بهذا الاسم للون التربة التي أنشئت عليها، وهم الذين موهوا حيطانها بالزخرف الذهبي البديع، وزينوها بالأشكال المصبوبة ذات الهندسة العربية الفائقة التي لا تزال إلى اليوم موضع عجب الفنانين وإعجابهم في أنحاء العالم،
5
وتعد غرناطة نفسها ببرجيها السامقين لؤلؤة في جيد الزمان؛ فقد بنيت عند نهاية المرج الممرع وفي سفح جبال القمر المتوجة بالثلوج (جبال نيفادا).
अज्ञात पृष्ठ