ألقى بظهره إلى مسند الكنبة في حركة سريعة تمثيلية ثم مد نظره إليها من فوق أنفه العظيم، وهو يهز رأسه كالمستعيذ بالله منها، ثم قال: أنت عقدة، وها أنا أعترف بأنني لا قبل لي بك.
فدارت ابتسامة بعثها الثناء، ثم تظاهرت بالدهشة، وهي تقول: لا أفهم مما تعني شيئا، الظاهر أنك في واد وأني في واد، المهم أنك قلت: إنك جئت لمقابلة خالتي، فهل من رسالة أبلغها إياها عند عودتها؟
ضحك السيد ضحكة قصيرة، ثم قال: قولي لها إن أحمد عبد الجواد جاء ليشكوني إليك، فلم يجدك. - تشكوني أنا! ماذا صنعت؟ - قولي لها: إني جئت أشكو إليها ما لقيت منك من قسوة ليست من شيم الحسان. - يا له من قول خليق برجل يجعل من كل شيء مادة لمزاحه ودعابته.
فاعتدل في جلسته، وقال جادا: معاذ الله أن أجعل منك مادة للمزاح أو الدعابة! إن شكواي صادقة، ويخيل إلي أنك واقفة على سرها، ولكنه دلال الحسان، وللحسان الحق كل الحق في التدلل. ولكن عليهن مراعاة الرحمة أيضا.
فمصمصت بشفتيها قائلة: عجب! - لا عجب ألبتة! أتذكرين ما كان بالأمس في دكان يعقوب الصائغ؟ هل يستحق ذلك اللقاء الجاف من كان يعتز بمثل مودتي لكم وقدم عهدي بكم؟ وددت لو استعنت بي مثلا فيما كان بينك وبين الصائغ، ووددت لو أتحت لي الفرصة كي أضع خبرتي في خدمتك، أو أن تتواضعي درجة أخرى فتسمحي لي بأن أنهض بالأمر كله كما لو كانت الأسورة أسورتي أو كانت صاحبتها صاحبتي.
ابتسمت، وهي ترفع حاجبيها في شيء من الارتباك، ثم قالت باقتضاب: تشكر.
تنفس الرجل تنفسا عميقا ملأ به صدره العريض، ثم قال بحماس: مثلي لا يقنع بالشكر، ماذا يفيد الجائع إن أعرضت عنه، وأنت تقولين له: «على الله»؟ الجائع يريد الطعام، الطعام الشهي اللذيذ.
شبكت ذراعها على صدرها وهي تتظاهر بالدهش، ثم قالت ساخرة: أنت جائع يا سي السيد؟ عندنا ملوخية وأرانب تستاهل فمك.
وهو يضحك عاليا: عال اتفقنا، ملوخية وأرانب، تضاف إليها زجاجة ويسكي، ثم نحلي بشيء من العود والرقص، ونتمدد ساعة معا حتى نهضم.
فلوحت له بيدها كأنما تهتف به «إلى الوراء»، وقالت: الله الله، سكتنا له دخل بحماره ... بعدك.
अज्ञात पृष्ठ