فمضى يسرد التعريفات المعلومة لتركيب النواة وكهاربها بين موجبة وسالبة ومحادية، إلى آخر ما يقال عنها في بسائط الكيمياء.
قلت: علام يقوم الاختلاف بين عنصر وعنصر منها؟
قال: إنه بالطبع قائم على عدد النويات والكهارب.
قلت: والنويات والكهارب من أين جاءت؟ أليست هي جميعا من شعاع وتئول إلى شعاع بعد الانحلال؟ فما هو الشعاع؟ أليس هو هزات في الأثير؟ وما الفرق بين هزات الأثير إن لم يكن فرقا بين عدد ونسبة؟ وهل في الأثير شيء معدود غير هذا العدد المفروض؟
إن عناصر المادة إذن تختلف باختلاف ما فيها من أعداد الهزات في الأثير، ونرجع إلى الأثير فلا نجد هنالك جسما ولا كائنا شبيها بالأجسام التي تقاس بالوزن أو بالحجم أو بالأطوال والأبعاد، وكل ما نعرفه إذن أعداد مفروضة لا نعرف معها معدودات موجودة، فماذا قال فيثاغوراس غير هذا مما يحق لنا اليوم أن نصفه بالسخف والهراء؟ عدد، ونسب مقررة بين الأعداد، يتبع بعضها بعضها، ولا يعسر على الخبير بها أن يتبين الموضع الخالي في السلسلة المتلاحقة على حسب أعدادها وضوابط النسبة بينها.
كل ما نعرفه عن تركيب المادة أنها أعداد مفروضة ومعدودات مجهولة، ومن قال بهذا الرأي قبل العلم الحديث بخمسة وعشرين قرنا لا يستحق منا الوصف بالسخف والهراء، بل هو حقيق منا بكل إعجاب وإكبار، وجدير بنا أن نتعلم منه كيف نفكر ونفتح أبوبا التفكير أمام عقولنا، فإن لم نتعلم منه ذلك فلنتعلم على الأقل كيف نتردد في إغلاق أبواب الفكر، وفي حجب العيون بالأيدي حتى لا ترى ما لعلها قادرة على رؤيته، لولا هذا الحجاب.
على أن العلم الرياضي قد اضطر العلماء الماديين وغير الماديين أن يسلموا بقول يشبه رأي فيثاغوراس في العدد بلا معدود، فلم يقل أحد منهم عن إقليدس: إنه مخرف سخيف لأنه يقول عن النقطة الهندسية أنها شيء بغير طول ولا عرض، ولا عمق أو ارتفاع، ثم يقول مع ذلك: إن الخط المستقيم مجموعة من هذه النقط بغير عدد معروف يميز بين الطويل منه والقصير.
اضطر الماديون وغير الماديين اضطرارا إلى تسليم هذا الفر المجرد، وبنوا عليه علوم الهندسة العملية والنظرية، فهي قائمة على غير أساس، إن لم تقم على هذا الأساس.
وزبدة هذه الفروض في العلم الطبيعي أو الفلسفة أو الرياضة أن الحواس لا تعطينا وصفا للمادة - أو للامتداد نفسه - يغنينا عن النظرة المجردة التي يدركها العقل، ولا تدرك بالأبصار والأسماع، بل ربما عجز العقل عن إدراكها، ولم يستطع أن يذهب فيها مذهبا وراء التسليم.
ومن أقرب النتائج إلى موقف العلم الحديث عن هذه الفروض المسلمة أن نلغي كل ما وقر في أخلادنا عن النظر المجرد إلى حقائق الوجود، فليست الكثافة هي الحقيقة كلها، وليس الخفاء هو العدم كله، وليس في المحسوسات على إطلاقها شيء واحد لا ينتهي بنا إلى خفاء.
अज्ञात पृष्ठ