وإنه ليدهشك ما تعدد وتنوع من الأشياء التي كان يستعملها الناس في ذلك العهد القديم، السابق للعهدين البابلي والآشوري. فمنها القناديل المصنوعة من الحجر والصفر والفضة والذهب، على شكل الأصداف البحرية، وسنان الرماح والفئوس من الذهب والفضة، ومخطوطات من الآجر مغلفة بالخزف ومكتوب على الغلاف اسم صاحبها أو موضوع ما تحتويه، والمواعين من النحاس الأبيض المطرق الشبيه بما نراه اليوم في سوق النحاسين ببغداد، ومسامير من الجص مدهونة بالدهان الأسود (3500ق.م) وجدت في كيش، ومناجل وأسياخ وأوتاد، وأوان خزفية ومرمرية مزينة بالرسوم، وجفان من الحجر والصوان، وأكواب من اللازورد، ولوحات للألعاب مطعمة بالصدف. وأعجب من ذلك كله قطع من العظم مكعبة، ومنقطة بالدهان الأسود، هي حجارة النرد. فاذكروا ذلك يا من تريدون أن تقضوا على القمار في العالم! إن عمر «الزهر» خمسة آلاف سنة. •••
من حق أهل العراق أن يعلموا بمصير آثار بلادهم، ولعل حكومة العراق تقدم على العمل الذي فيه صيانة هذه الآثار، وحفظ حقوق البلاد في البعثات الأثرية.
إن أول ما ينبغي عمله هو تحرير المادة 22 من قانون الآثار، لإزالة ما فيها من التعميم والإبهام، فتفرغ في قالب محكم لا يمكن البعثات من الإخلال بواجباتها، والعبث بحقوق البلاد.
فقد جاء في هذه المادة أنه «ينبغي للمدير أن يختار من بين الأشياء المكتشفة ما يراه لازما لإكمال المتحف العراقي من الوجهة العلمية»، وأن يخصص بعد ذلك «للذي أعطي رخصة التنقيب عددا كافيا من العاديات مكافأة له على أتعابه» ... «وأن يتوخى - بحسب الإمكان - جعل حصة ذلك الشخص مماثلة لجميع النتائج التي حصلت من تنقيبه.»
إن في هذه المادة ثلاثة أبواب للنزاع، هي: «الوجهة العلمية»، و«العدد الكافي» و«المماثلة لجميع النتائج». قلت: إنها أبواب للنزاع، فيجب أن أقول: إنها أبواب مفتوحة للتفسير والتأويل. وكثيرا ما تفسرها البعثات وتقولها كما تشاء؛ ليكون لها ما تشاء من العاديات.
فلو اتفق أن في متحف العراق عددا كافيا من الحلي السومرية مثلا «لا كماله علميا» واكتشف بعدئذ شيء كثير من هذه الحلي، فإن مدير الآثار مطلق التصرف بها، وقد يقدمها كلها هبة إلى البعثات التي اكتشفتها.
فإذا اكتشف خمسون خوذة ذهبية مثلا، وكان فيها ثمان وأربعون خوذة متماثلة بكونها خوذات، ومختلفة بكونها من عصور وصناعات متعددة ولو في جزئياتها، وخوذتان متماثلتان كل التماثل، فلا يعطى المتحف العراقي غير خوذة واحدة من الاثنتين المتماثلتين تماما، وتعطى البعثات الخوذات الأخرى كلها.
هذا ما يحدث في قسمة العاديات النادرة وفي غيرها على الإجمال ما دامت المادة 22 مبهمة وقابلة لكل تفسير.
وهناك أساليب أخرى تمكن البعثات من السلوك المريب، بل من الإساءة في ما تتمتع به من الحقوق والامتيازات. ومن هذه الأساليب ما يتعلق بشحن الآثار. فالبعثة ترسل قسمتها في صناديق إلى البصرة، فتخزن هناك في مخازن شركة البواخر التي تنقلها إلى خارج العراق، بدل أن تبقى في مخازن الجمرك إلى يوم سفر الباخرة، وفي أثناء وجودها في مخازن الشركة يستطيع أحد أعضاء البعثة أن يفتحها ويضيف ما يريد إليها.
إنه لأمر شاذ اضطربت له مديرية الجمارك، وقد كتب مدير جمارك البصرة إلى مديرية الآثار ينبهها إلى أن نقل صناديق الآثار من الجمرك إلى مخازن الشركات خلال انتظار الباخرة لما يثير الريبة وسوء الظن، وهو يلح في وجوب فتحها وفحصها قبل أن تشحن.
अज्ञात पृष्ठ