268

नील: नदी का जीवन

النيل: حياة نهر

शैलियों

وفي الزمن الذي وضع فيه ذلك الإنذار المتوعد كان حد مصر الجنوبي هنالك، بالقرب من الشلال الثاني، وعلى مسافة 1500 كيلومتر من مجرى النهر التحتاني بعد الخرطوم، ولا يزال حد مصر الجنوبي في ذلك المكان، وهذا الشلال الثاني مؤثر في النفس أكثر من سواه، وهذا الشلال بركاني مجرد من النبات، ولهذا الشلال منظر المهالك، وإذا ما دنا الإنسان منه خيل إليه أنه أمام جحفل من بقر الماء المتحجر البارز اللامع على نور الشمس، وذلك لتدوير الماء كل شيء، وما يحدث حول الصخور من دوران مائي خفيف فيقوي الوهم.

وترى من فوق جندل أبي صير، وعلى ضفة النهر اليسرى، حجارة أكثر من الماء، ويرى في الشتاء ثلاثمائة وخمسون جزيرة، ويبقى من هذه الجزر حين الفيضان أكثر من مائة جزيرة ، والناس يسكنون خمسين جزيرة منها على الأقل، وهي تشتمل على أكواخ من طين لازب، وعلى أشجار سنط قوية قاومت كثيرا من الفيضانات، وتبدو أتلام حقول الفول والعدس مربعات متروكة لأولاد في زاوية من حديقة، ويذهب الأهالي إلى الحقول مرتين في كل عام راكبين زوارق شراعية أو قوارب ذوات مجاديف، وذلك للبذر والحصاد.

وتمتد مدينة وادي حلفا الصغيرة على ضفة النيل اليمنى، وذلك مع وجوه أبلية بيض وكثافة سكان ونخل، ويسيطر عليها تل فوق الضفة اليسرى يذكر بكثبان شاطئ البحر العالية، وما تبصره من نزول الذهبيات مع النهر ومن بدء الخط الحديدي ومن تلبث في الملاحة فأمور تهب الحياة إلى المصر، ويخفق علم مصر الأخضر وحده فخورا بعد الآن.

ويتم النيل مغامرته الثالثة مسرورا، ويجاوز النيل منطقة الشلالات سعيدا، هو يسير متئدا عريضا جليلا أكثر مما في الخرطوم، هو يدخل مصر.

الفصل السابع عشر

وليست مصر هنالك بعد، وتمتد المنطقة الواقعة بين وادي حلفا وأسوان، والمسماة نوبية الدنيا، 350 كيلومترا على طول النيل، وهي شديدة الانعطاف نحو الشرق، وهي من أفقر أجزاء مصر وأشدها وحشة، وقلما تجد فيها أراضي مزروعة يزيد عرضها على مائة متر، وتكاد الصحراء تمس نهر النيل في الغالب.

وتماثل حياة الفلاح المصري هنا حياة أخيه في الشلالات، وكلاهما نوبي، وكلاما تابع للساقية والفيضان، ولا أثر هنا لما يتخذ في بناء البيوت الحجرية والخشبية من غرانيت ونخيل. والبيوت تصنع من طين النيل فيما بعد، ومن هنا كان الرتاج

1

المصري الذي فرضت مادة النيل الطينية شكله فجعلته كأبراج الرمل التي يصنعها الصبيان على الساحل.

وكانت نوبية الدنيا في القرون القديمة منطقة يمر منها المصريون إلى السودان لجلب العبيد والذهب فظلت الطريق الممكنة الوحيدة المؤدية إليه في قرون كثيرة، وتركت الحصارات المتعاقبة آثارا غريبة هنالك، وإليك ضفة النيل اليسرى بالقرب من وادي حلفا، وإليك بقايا قلعة أقيمت في القرون الوسطى بالقرب من معبد منحوت في الصخر حيث تبصر نقوشا مصرية قديمة بارزة رسمت عليها صور قديسي النصارى، وحيث تبصر رأس الإله خنوم الكبشي ينظر إلى القديس إبيماخوس، وحيث تبصر الإله أنوكت يرضع أحد الفراعنة، وحيث تبصر العذراء تضم الصبي يسوع إلى صدرها، وترى على القبة مسيحيا بزنطيا يرفع يده متوعدا، وترى بجانبه الملك حارمهاب واقفا أمام الإله توت.

अज्ञात पृष्ठ