ويتضمن تناول الطهطاوى للأسطورة ودورها في الأدبين اليونانى والفرنسى دلالات متعددة لعل أبرزها تأكيده على ضرورة التفريق بين الظاهر والباطن فيها (٤١) وهو تمييز قد يسهم في تأويل الرسالة الضمنية التى ينطوى عليها" نهاية الإيجاز" على نحو ما سيتضح في فقرات تالية.
ويمثل مصطلح المقامة واحدا من مصطلحات الأشكال السردية التى أشار إليها الطهطاوى، وتشير بعض سياقات استخدامه لديه إلى إطلاقه إياه على القصص الفرنسية (٤٢) . وأما مصطلح سيرة فمن المؤكد أن الطهطاوى قد عرفه- منذ البداية إبان دراسته بالأزهر قبل سفره إلى باريس، ثم أتيح له في باريس أن يقرأ سيرا أوروبية متنوعة كسير فلاسفة اليونان وسيرة نابليون، وقد قرأها في إطار دراسته" النظامية" للتاريخ، واللافت أنه وصف مادة بعضها مستخدما بعض المصطلحات المستخدمة في السرد العربى الوسيط كالقصص والحكايات والنوادر (٤٣) .
إن تحليل المصطلحات السردية التى استخدمها الطهطاوى يكشف عن أنه كان على دراية واسعة بكثير من الأشكال السردية العربية القديمة والوسيطة، كما أتيح له التعرف على عدد من الأشكال السردية الأوروبية القديمة والوسيطة والحديثة، ولما كانت معرفته بهذه الأشكال قد تمت في إطار تشكل معرفته بالتاريخ فقد كان ذلك دافعا له لأن يرى دور هذه الأشكال في تحقيق مهام تعليمية وتهذيبية يحققها التاريخ. كما قادته تلك المعرفة إلى الوعى بالأدوار التى يمكن أن يؤديها السرد في توصيل معارف مختلفة، ولهذا اعتمد عليه في عدد من مؤلفاته سواء التاريخية مثل" أنوار توفيق الجليل" أو التعليمية التوجيهية العامة مثل" المرشد الأمين" و" مناهج الألباب". وقد قاده ذلك الوعى إلى إعادة كتابة السيرة النبوية بوصفها نصّا سرديا، ولعله كان يدرك- على نحو ضمنى- أن مثل هذه الكتابة هى صورة من صور التجادل مع تقاليد راسخة تثبتت في كتابة السيرة النبوية لدى السابقين عليه، وإذا كانت كتابته تلك قد استندت إلى توجهاته الإصلاحية التى حكمت مجمل مؤلفاته، فإنها قد تأسست، من ناحية، على رؤيته التاريخية، بينما قامت، من ناحية أخرى ومن حيث هى إعادة تشكيل لتقاليد شكل سردى راسخ في الثقافة العربية الوسيطة، على أداة الذوق الذى رأى الطهطاوى أنه ملكة متجددة يتغير
المقدمة / 35