निदा हकीकत
نداء الحقيقة: مع ثلاثة نصوص عن الحقيقة لهيدجر
शैलियों
إنه يعبر من الناحية الشكلية البحتة عن علاقة شيء بشيء، ولكن إذا كان التطابق علاقة، فليست كل علاقة تطابقا، لا بد إذن من توضيح هذه العلاقة وتحديدها، كيف يمكن أن يتطابق العقل والموضوع (الشيء) ومن أي جهة؟ يلزم أن يتطابق الحكم مع مضمونه، فمن أين يأتي هذا التطابق؟ أنقول إنهما متساويان أو متشابهان؟ ولكنني إن حكمت بأن القرش مستدير، فلا يعقل أن أتصور أي نوع من التشابه بين الحكم والاستدارة، بين العبارة التي أحكم بها (وهي لغوية) والقرش الذي أحكم بأنه متطابق معها (وهو معدني)! يلزم إذن أن يدرك العقل الموضوع (أو الشيء) على ما هو عليه، فكيف يتم هذا، إذا كان هذا العقل لن يتحول إلى موضوع!
نحن جميعا نميز في الحكم بين «فعل الحكم» وبين موضوعه، وفعل الحكم حدث نفسي واقعي، وموضوعه مضمون مثالي، والأمر كله يتوقف على هذا المضمون المثالي، فلسنا بحاجة إلى معرفة شيء عن طبيعة الأحداث النفسية التي في الوعي عند القيام بعملية الحكم، ولكن المسألة ليست بهذه البساطة، فلدينا فعل الحكم الواقعي من ناحية، ولدينا من ناحية أخرى المضمون المثالي الذي نفكر فيه أثناء تحقيق هذا الفعل، ولا بد أن يتعلق هذا المضمون بشيء واقعي أو موضوع متعين، «ألا يكون واقع المعرفة والحكم قد انفصم بهذه الطريقة إلى أسلوبين في الوجود «وطبقتين» لا يمكن أن يبلغ التلفيق بينهما إلى صميم أسلوب وجود المعرفة؟»
119
لنسأل إذن: متى تظهر الحقيقة في فعل المعرفة نفسه ظهورا صريحا؟ الجواب: عندما يثبت فعل المعرفة أنه حق (أو صادق). ومتى يتم هذا؟ الواقع أن هذه هي المشكلة! ولا بد تبعا لهذا «أن تتضح علاقة التطابق في السياق الظاهري للإثبات». ونسأل من جديد: كيف نفهم هذا الإثبات؟ يضرب لنا هيدجر مثالا بسيطا من واقع التجربة التي نعيشها كل يوم؛ لنتصور أننا نقول عبارة عن صورة معلقة على الحائط، في الوقت الذي ندير لها ظهرنا ولا نراها رؤية مباشرة، ثم نستدير لنرى إن كانت العبارة صحيحة، كانت عبارتنا هي هذه: الصورة مائلة. فما الذي يجعلها صادقة أو كاذبة؟ لا بد أولا أن نلاحظ أننا حينما ننطق بالعبارة لا نشغل أنفسنا بأية ظاهرة سيكولوجية أو أي فعل من أفعال التصور، وإنما نكون مع الموضوع أو الشيء ذاته، ولسنا الآن بحاجة للبحث عن مختلف الإمكانيات التي تتيح لنا أن نكون مع الموضوع نفسه؛ ذلك أن التعبير (أو الحكم) وجود متعلق بالشيء أو الموجود نفسه،
120
وفي المثال الذي قدمناه الآن يتم الإثبات عن طريق الإدراك الحسي، فما الذي يحدث على وجه التحديد عندما يتأكد صدق العبارة التي ذكرناها عن الصورة المعلقة على الحائط؟ الجواب ببساطة: إننا نتوصل للموجود من ناحية وجوده، أو بالأحرى نكتشفه.
هكذا يكون فعل المعرفة - الذي نعبر عنه في صورة حكم أو عبارة - مسلكا نتخذه من الموجود لكي نكشف عنه أو نكتشفه، هذا الاكتشاف هو مركز الثقل في الموضوع كله؛ لأن التوفيق بين العمليات النفسية والمضامين المثالية التي تضفي على كل شيء واقعي هو في الحقيقة أمر عرضي لا أهمية له، إن معنى العبارة هو إتاحة رؤية الموجود الذي نعبر بها عنه؛ ومن ثم تكون الحقيقة هي الاكتشاف، ويكون التوصل إلى الحق عن طريق الكشف، لكن من الذي يقوم بهذا الكشف غير الإنسان؟ ألا يتحتم أن يكون موجودا-في العالم لكي يتمكن من القيام به؟ - الواقع أن هذا هو الذي يتعرض له القسم الثاني من هذا المبحث.
يحاول هيدجر أن يدعم تفسيره للحقيقة بالرجوع إلى فجر الفلسفة، والنظر في المعنى الأصلي الذي كان يقصده فلاسفة اليونان المبكرون من كلمة الحقيقة (أليثيا- لاتحجب) فهو يقف عند شذرة هيراقليطس الأولى
121
التي تتحدث عن معنى اللوجوس الذي يبين للناس حقيقة الأشياء وحالها التي هي عليها، غير أنهم لا يفهمونه ولا يسمعون نداءه، فيسقط في التحجب ويهوي إلى الخفاء.
अज्ञात पृष्ठ