निदा हकीकत
نداء الحقيقة: مع ثلاثة نصوص عن الحقيقة لهيدجر
शैलियों
لعل القارئ قد افتقد «الكلام» في هذا التحليل الزماني «للوجودات» المختلفة من فهم وتأثر وسقوط، ولعله قد تصور - كما فعل بعض الباحثين
113 - أن تحليل الانشغال بالحاضر قد حل محله، والواقع أن التحليل الزماني للكلام في «الوجود والزمان»
114
مختصر غاية الاختصار، وهو يرد بعد حديث مستفيض عن السقوط، ومع ذلك فإنه - وإن لم يحدد للكلام انبثاقة زمنية متميزة - لا يهمله تمام الإهمال، وإنما يبين أن للحاضر دلالة خاصة بالقياس إليه، فهو ينصب في الأغلب الأعم على ما يقابلنا في العالم المحيط بنا، وإن كان هذا بطبيعة الحال لا يستنفد كل إمكاناته، إذ يكفي أن نفكر في «لغة» الفن وأساليبها المختلفة في حوارها مع الوجود أو معنا، إن الكلام في ذاته زماني؛ لأن كل كلام «عن» أو «إلى» يقوم على وحدة الانبثاقات الزمنية الثلاثة، ولما كان الكلام متعلقا على الدوام بموجود - وإن لم يتخذ صورة التعبير النظري وحده - فإن تحليل البنية الزمنية للكلام وتفسير الطابع الزمني للصور والأشكال اللغوية لا يمكن البدء فيه إلا إذا تناولنا مشكلة الارتباط الأساسي بين الوجود والحقيقة على ضوء الزمانية، عندئذ يمكننا أن نفهم المعاني الأنطولوجية «للرابطة» أو فعل الكينونة وتوضيح المعنى وتكوين التصورات.
مهما يكن من شيء فلا بأس من إعادة ما قلناه من أن انبثاقات الزمن الثلاثة - التي نسميها عادة بالماضي والحاضر والمستقبل - ماثلة على الدوام في كل تزمن، وإن كانت إحداها تطغى على الأخريين في كل حالة على حدة، فالفهم مثلا يطغى عليه المستقبل (الاستباق أو التوقع)، والتأثر الوجداني يتفوق فيه الانقضاء (التكرار أو النسيان) والسقوط والكلام يغلب عليهما الحاضر (اللحظة أو الإحضار)، وفي نفس الوقت يمكن تأكيد ما قلناه من أن الانبثاقات الزمنية الأخرى تؤدي دورها مع الانبثاقة الغالبة، فالفهم حاضر انقضى وكان، والتأثر مستقبل وحاضر، ومعنى هذا أن الزمانية تتجلى كاملة في كل انبثاقة على حدة، وأن «الوحدة الانبثاقية لتزمن الزمانية تقوم عليها كلية البناء الكامل للتواجد، والوجود بالفعل، والسقوط، وهذا هو معنى وحدة بناء الهم»، وهو كذلك المعنى الذي انتهينا إليه من كل هذه التحليلات التي بينت لنا أن الهم يقوم بناؤه وتركيبه على الزمانية، وهذا يدلنا في النهاية على أن الموجود-الإنساني - بإمكانياته الأساسية وانفتاحه، وأصالته، أو عدم أصالته - يقوم على الزمانية التي تتمثل فيها عناصر التزمن في وحدة واحدة. (4) السؤال عن الحقيقة
تبلغ تحليلات هيدجر المفصلة عن الهم (باعتباره وجود الموجود-الإنساني) ذروتها في أول بحث قدمه عن الارتباط بين الوجود والحقيقة في كتابه «الوجود والزمان»، وهذا الارتباط قديم قدم الفلسفة، لم نبتدعه على هوانا ولم نخلقه من العدم، فلقد دار الفكر الفلسفي منذ بدايته حول هذا الارتباط بين الوجود والحقيقة، وتجلى ذلك بأوضح صورة في كثير من شذرات هيراقليطس الباقية، وفي قصيدة بارمنيدز (وبخاصة في قوله المشهور إن الفكر - أو التعقل - والوجود شيء واحد)، كما ظهر عند أرسطو الذي عرف الفلسفة بأنها «العلم بالحقيقة»،
115
وحددها في نفس الوقت بأنها العلم «أبيستمي» الذي يتأمل الموجود بما هو موجود، أي من ناحية وجوده.
أليس من الطبيعي إذن في بحث يصف نفسه بأنه بحث في «الأنطولوجيا الأساسية» أن يهتم بهذا الارتباط الأصلي بين الوجود والحقيقة ويلقي الضوء كذلك على العلاقة بين الموجود-الإنساني والحقيقة، لكي يبين لنا في النهاية أن الوجود لا ينفصل عن الحقيقة، كما أن الحقيقة ملازمة للوجود؟
يمضي هذا المبحث الأول - الذي ظل الشغل الشاغل لهيدجر في العديد من دراساته ومحاضراته من «ماهية الحقيقة» إلى موضوع الفكر - في ثلاث خطوات: (1)
अज्ञात पृष्ठ