निदा हकीकत
نداء الحقيقة: مع ثلاثة نصوص عن الحقيقة لهيدجر
शैलियों
وقد عرفنا أن الهم يجمع بين التواجد، والوجود الفعلي، والسقوط، فالتواجد مرتبط «بالشروع» الذي فيه يلقى الموجود-الإنساني بنفسه على إمكانياته التي لم تتحقق بعد، وليس هذا إلا نوعا من «تزمن» المستقبل، والوجود بالفعل - أي كون الموجود-الإنساني ملقى به هناك - عنصر من العناصر التي عرفنا أنها من المكونات الأساسية للهم، ولهذا يمكننا الآن أن نفهم هذه العبارة: «إن قيام الهم على أساس الانقضاء هو الذي يمكن الوجود-الإنساني من أن يوجد (أو يتواجد) بوصفه الموجود الملقى به».
100
ويفرق هيدجر بين الانقضاء (ما قد كان) والماضي؛ فالماضي تعبير يصدق على الموجودات التي ليست من نوع الموجود-الإنساني، هذا الموجود-الإنساني «المتواجد» لم «يمض»، بل «انقضى» أو كان، أي أن الكينونة لا تزال باقية، وما قد كان لا يزال في الحقيقة كائنا، ويتضح هذا إذا تذكرنا ما قلناه من أن «الوجود الواقع بالفعل»
101
عنصر أساسي في تكوين الموجود الإنساني، وهو لا يكون ممكنا إلا لأن الموجود-الإنساني - في وجوده في الزمان - لا يترك وراءه ما كان - أو ما انقضى من زمنه - ولا يتخلى عنه، وإنما يكونه، وهكذا يبين لنا بعد المستقبل الذي ينطوي عليه «الاستباق»، وبعد الماضي الذي يتضمنه «الوجود-بالفعل-في» أن الهم زماني في تكوينه وتركيبه، ولعل القارئ قد لاحظ أن هذا التفسير للزمانية بأنها البناء الأساسي المكون للهم يشبه أن يكون نورا كاشفا سلط - بعد الجهد والعناء! - على بقية البناء المعقد الذي حاولنا أن نخرج بفكرة موجزة عن هيكله ومعماره، ولعل «الوجود والزمان» أن يكون من الكتب التي يصدق عليها ما يقال من أنها تقرأ من آخرها، وأن نهايتها تكشف عن بدايتها وتجمع كل خيوط نسيجها (ويا له من نسيج تبدو عبقرية الصنعة والتصنع والصبر والمشقة في تطريز كل خيط فيه!).
بقي أن نتحدث عن السقوط، وهو العنصر الثالث من العناصر المكونة للهم؛ لنعرف علاقته بالزمانية، وليس السقوط سوى الضياع فيما هو «حاضر» أي فيما وصفناه بالوجود-بالقرب-من، وطبيعي أن يكون هذا السقوط في الحاضر (ما هو كائن وقريب) دون المستقبل (ما سيكون) ودون ما كان (الانقضاء)، وهكذا تجعل الزمانية وحدة «التواجد» و«الوجود بالفعل» و«السقوط» أمرا ممكنا وتؤلف كلية بناء الهم تأليفا أصيلا.
102
طبيعي ألا تكون الزمانية دائما زمانية أصيلة، فكيف نفرق بين الأصيل منها وغير الأصيل؟ لا بد لهذا الغرض من بحث «الموجودات» التي تكلمنا عنها من قبل، وهي الفهم والتأثر الوجداني والسقوط والكلام، لنرى دور الزمان فيها ونبين أنها في صميمها زمانية، هنا يجمع هيدجر الخيوط التي سبق أن قدمها متفرقة، ويرجع للتحليلات التي تابعناها من قبل لينظر إليها في أفق جديد، وليس هذا من قبيل التكرار، وإنما هو إضاءة للبناء الكلي ومحاولة لفهمه على ضوء الزمانية.
لنبدأ بالفهم، كيف يتجلى طابعه الزماني؟
لقد رأينا أن الفهم «شروع» على إمكانات الوجود الخاصة، وأنه تفتح أو «تفتيح» لإمكانية الوجود، وكل أشكال «المعرفة» وأساليبها تقوم على هذا الفهم وتعتمد عليه، ولكن «الشروع» على الإمكانيات مرتبط بالمستقبل، أو هو بتعبير هيدجر «تزمن للمستقبل»، والمستقبل - من الناحية الأنطولوجية - هو الذي يمكن الوجود الذي نسميه الموجود-الإنساني من أن يوجد على الصورة التي هو عليها، بحيث يكون وجوده - أو بالأحرى تواجده - مرادفا لتفهمه إمكانية وجوده،
अज्ञात पृष्ठ