وبعد أن حياه دولة البرنس «حافظ نجيب» بسكارة من سكاير جناكليس سأله الإفصاح عن بغيته، فقال له صالح بك: إنني أعلم حق العلم أن حضرتك لست بالبرنس يوسف كمال، وأنك حافظ نجيب المحتال الهارب من وجه البوليس، فلذلك أنصح لك بالذهاب معي إلى أقرب مخفر حتى لا تحول الأنظار إليك، ويكون في ذلك ما فيه من الفضيحة والعار عليك.
فشمخ حافظ بأنفه كبرا وأجاب صالح بك بأنك واهم يا هذا فيما قلت، وما أنا بحافظ نجيب ولكنني البرنس يوسف كمال، ثم مد يده إلى جيب بنطلونه ليوهم مخاطبه بأنه سيخرج منه مسدسا أو مدية أو ما شاكل ذلك، فأسرع صالح بك وقبض على ذراعه بيد من حديد، وقال له: إما أن تسير أمامي وإما أن أستعين على إلقاء القبض عليك بخدم الفندق ورجال البوليس، فصغرت عند ذاك نفس حافظ وحاول إرشاء صالح بك فلم يفلح.
وأخيرا اضطر أن يسير وإياه جنبا إلى جنب كأنهما عاشقان أو قتيلا غرام حتى وصلا إلى قسم الموسكي، وهناك سلمه حضرة صالح بك إلى حضرة الفاضل رزق أفندي إبراهيم مأمور القسم بعد أن كان صلة تعارف بين الاثنين.
ولا ريب أن حضرة المأمور النابه قد أدرك اقتدار حافظ وسعة حيلته ودهائه الشديد، فأودعه سجنا لا يستطيع منه فرارا، فضاقت الدنيا على رحبها في وجه حافظ، فسلم أمره إلى المقدار وقال بلسان الحال ما يقوله العامي في مثل هذا المقام «الصباح رباح».
ولكن ذلك الرأس المفكر الكبير رأس حافظ نجيب عسر عليه أن يلتحف الأرض دون أن يفكر في طريق النجاة قبل أن تبدأ النيابة العمومية معه بالتحقيق، فيضطر إلى الافتكار بما ينقذه من شر التهم التي توجه إليه، فلم يطلب الراحة إلا وقد أعياه الفكر، ثم ابتسم ضاحكا من تقلب الأحوال؛ لأنه منذ ساعة واحدة فقط كان الأمير يوسف بك كمال موضوع التجلة والإكرام في أعظم فنادق القاهرة، فغدا الآن طريح «الأسفلت» وعشير اللصوص وغيرهم من المجرمين بعد أن كان خلطاؤه من ذوي الجاه والمال والنقود من القوم السائحين.
ولكن صاحبنا حافظ تعود على أن يستهين بالأخطار ويضحك من تقلبات الأحوال، فنام وهو واثق بالنجاة في القريب العاجل.
ولو كان في ذلك المقام وعلى تلك الحال شاب غير حافظ نجيب ليئس من الحياة الدنيا وأيقن بالشقاء المقيم، ولكن حافظا يرى مثل هذه الكوارث سحابات صيف لا تلبث أن تزول.
وفي صباح اليوم الثاني نادى حضرة المأمور على حافظ نجيب وشرع في إجراء التحقيق معه، فكان يجيب على كل سؤال يوجه إليه برزانة وثبات جأش يدلان على اقتدار عجيب في المواقف الحرجة، فعجب له حضرة المأمور ودهش من سرعة بديهته وقوة حاضرته.
ولقد ضبط معه قبل أن يودع السجن عدة أوراق مالية من أوراق البنك الأهلي الملغاة فأودعت محضر التحقيق.
وبعد أن انتهى رجال البوليس من تحقيقاتهم أرسلوه مع محضرهم إلى نيابة محكمة الموسكي لتتم التحقيق القضائي اللازم في مثل هذه الحال.
अज्ञात पृष्ठ