وما زال والراقصة يطلبان هذا وذاك حتى زاد ثمن ما انتقياه على الثلاثمائة جنيه، فاكتفت الغانية به وأشارت إلى حافظ بأن هذا يكفي الآن على نية أن تذهب به في يوم ثان إلى محل جوهرجي أو تاجر آخر حيث تربح ما ربحته من محل أساياس.
ولما قدم صاحب المحل كشفا بأثمان الأشياء التي انتقتها الراقصة إلى حافظ أخرج هذا من جيبه دفتر شيكات من الدفاتر التي تعطيها البنوك المالية إلى الذين يودعونها أموالهم، وكتب بالمبلغ المطلوب تحويلا على بنك الكريدي ليونه، وأعطى صاحب المحل عنوان الراقصة ليرسل البضاعة لها على عجل.
وبينا هو عائد مع الراقصة قال لها إنه مضطر إلى مغادرتها بعد أن يصل بها إلى منزلها حيث يغيب أربع ساعات ثم يعود، ولكنه لا يريد أن تذهب الليلة إلى القهوة؛ لأنه يرى من الواجب عليها الامتناع عن العمل بتاتا؛ إذ ستغدو عن قريب زوجته، فأجابته إلى ما طلب عن رضى بالطبع، ولكنه قال لها إنه يخاف ألا تصدق في كلامها، ولذلك يرجوها إذا كانت صادقة في وعدها وحبها أن تعطيه ما عليها من الحلي؛ لأنها بغيرها لا تقدر على الذهاب إلى القهوة، ثم يعيدها إليها عند رجوعه، فلم تجد المسكينة مناصا من إجابته إلى ما طلب خيفة أن يهرب العصفور من الفخ الذي وقع فيه!
ولما وصلا إلى المنزل أخذ حافظ منها مصوغاتها وودعها على أمل اللقاء العاجل في المساء بعد أن أعطى الخادم جنيهين لإحضار الكونياك وما يلزمه من المأكولات الشهية.
ذهب حافط وظلت الراقصة التعسة في انتظار تشريفه وانتظار الملابس وبقية الأشياء الثمينة التي انتقتها من محل أساياس، فذهب انتظارها سدى؛ لأن الخواجا أساياس عندما ذهب إلى البنك لقبض قيمة التحويل عجب موظفوه منه، وأجابوه ضاحكين بأن لا اسم مطلقا لصاحب التحويل عندنا؛ لأنه لم يودع البنك قرشا من أمواله، فعض عند ذاك على أرمه من الغيظ، وأدرك لساعته أن ذلك البك العظيم الجاه لم يكن إلا نصابا محتالا.
أما حافظ فقد فاز بالمصوغات والحلي وترك الراقصة تضرب أخماسا لأسداس.
ولما لم يعد حافظ في مساء ذلك اليوم ولا في صباح اليوم الثاني، عرفت هي أيضا أنه محتال كبير، فأسرعت إلى قسم الأزبكية حيث قصت الخبر على حضرات مأموره وضباطه، فكتبوا أقوالها في المحضر اللازم.
ثم ذهب الخواجا أساياس أيضا لشدة ما لحق به من الغيظ إلى قسم الموسكي، وأبلغ تفاصيل الخبر إلى حضرة المأمور النشيط، وعاد وهو يكاد يتميز من الكيد. ومن ثم أخذ رجال البوليس السري يبحثون على حافظ في كل جهة، فلم يقفوا له على مقر معلوم.
أما هو فقد باع المصوغات التي أخذها من الراقصة، ووضع ثمنها في جيبه، وذهب إلى فندق الكونتيننتال الشهير حيث نزل فيه باسم البرنس يوسف بك كمال بعد أن ارتدى بأفخر الملابس، وتحلى بالذهب البراق والماس الثمين، فلم يشك عمال الفندق فيه؛ لأنه ليس لديهم قلم لتحقيق شخصية من يقصدون إليهم.
وقد وصل إلى علم حضرة الأديب صالح بك شاكر خبر نزول حافظ نجيب في فندق الكونتيننتال، فحدثته نفسه بإلقاء القبض عليه، فقصد إلى الفندق وجلس في المحل المعد قهوة عامة لكل الناس، حتى إذا ما نزل حافظ حياه بوقار واحترام كما لو يحيي فعلا صاحب الدولة الأمير الخطير يوسف بك كمال، وسأله أن يسمح له بكلمة وجيزة في أمر ذي بال، فأجابه حافظ إلى ما طلب وجلسا معا على مائدة واحدة.
अज्ञात पृष्ठ