بالعمارة إذا كان لمصلحة ضرورية أو حاجية أو مستحسنة)، انتهى (١). فهذا يوهم إطلاق إباحةِ التعمير للأمورِ المذكورة، وأنّ ذلك غير مقيد بالإِمام؟
قلتُ: صَدْرُ رسالته وصدر كلامه في أثنائها يدفع هذا الوهم، وإنما مراده أنه يباح التغيير لمن له ولايةُ ذلك عند أحدِ تلك الأمور، وإلَّا فلا يجوز للسلطان الأعظم أن يخرق حرمة البيت ويهدمه أو شيئًا منه بغير ضرورة ولا حاجة ولا أمر مستحسن، إنما له ولاية العمارة عند وجود سببها.
ويدل عليه: أنه ذكر عمارة ابن الزبير والحاجة الحاقّة، والثناء عليه، ولم يذكر وقوع عمل فيها من أحد من الناس لمصلحة ما ذكر، وأثنى عليه، وكلامه أوله يسدد آخره، وآخره يسدد أوله، فللَّه دره من إمام.
قال ابن حجر الهيتمي -بعد نقل الخلاف في هدم الجدار الذي أراد المنصور أو ولده هدمه وإعادته على قواعد إبراهيم ومنع منه- ما لفظه: (هذا إذا حملنا كلامه هو -لا كما هو المتبادر منه- على هدم ما صنعه الحجاج وردها علي بناء ابن الزبير، أما إذا لم نحمله على تلك الصورة الخاصة بل على ما عداها ... فالإِجماع على الامتناع من هدم جدرانها أو تغيير بنائها (٢) أمر حقيقي واقع لا مرية فيه، وليس ذلك من خصوصيات الكعبة بل هو جار في كل مسجد، إذ من البديهي فيها أنه لا يجوز لأحد هدم أبنيتها ولا تغييرها عما هي عليه الآن من غير ضرورة أو حاجة ماسة)، انتهى (٣).
[رأي المصنف في هدم الجدار اليماني]:
فاحفظْه لينفَعْك تذكرُه في التنبيه عند منع هدم الجدار اليماني عند فقد
_________
(١) وهذه العبارة نقلها ابن حجر الهيتمي في "المناهل العذبة": ٤ / أ- ٤ / ب.
(٢) المناهل العذبة: ١٢ / أ: أو تغييره بلا ضرورة.
(٣) المناهل العذبة: الموضع السابق.
1 / 62