नेपोलियन बोनापार्ट इन मिस्र
نابوليون بونابارت في مصر
शैलियों
ولما أصبح الصباح كان إبراهيم بك قد فر بحريمه وأمواله ومعه من تبعه من مماليك وغيرهم من البكوات، ويبلغ عددهم نحو ألف مقاتل، واصطحب معه أبو بكر باشا الوالي، وفروا جميعا قاصدين بلدة «بلبيس» وتركوا القاهرة بلا حاكم ولا وازع، ولا ندري إن كان الخطاب الذي بعث به نابوليون قد وصل إلى يد نائب الدولة العلية، وممثل جلالة السلطان بمصر، وخليفة المسلمين، أو لم يصل؛ إذ الرواة مختلفون في ذلك، فالجبرتي لم يشر إلى هذا الخطاب ولا علم له به، وكتاب الفرنسيين يقولون: إن ذلك الخطاب وقع في أيدي المماليك، ولم يعلم به أبو بكر باشا؛ إذ من المحتمل أنه لو وصل إلى يديه، ورأى أن قائد الحملة الفرنسية يقول: إن فرنسا صديقة السلطان، وإنه يريد أن يخلص البلاد من المماليك، ويحفظ سيادة الدولة العثمانية، لاختار البقاء في القاهرة، ليرى إن كان ما يقوله نابوليون صحيحا أو غير صحيح!!
ومن الغريب أن نابوليون كتب خطابا آخر للباشا الوالي في يوم 23 يوليو؛ أي: بعد يومين من الواقعة، وبعد مقابلته في الجيزة لكثير من العلماء والأعيان، الذين لا بد أنهم قد أخبروه بسفر الباشا الوالي مع إبراهيم بك إلى بلبيس، والظاهر أنه كتب ذلك الخطاب الثاني ليبعث به للباشا في بلبيس، على اعتقاد أو ظن، بأن الخطاب الأول لم يصله، وهذه ترجمة الخطاب الثاني الذي لم يظهر في كتاب من الكتب العربية، حتى ولا في كتاب الدحداح، الذي هو أوسع الكتب تفصيلا، لنقله عن المصادر الفرنسية:
إن نية الجمهورية الفرنساوية في احتلالها لمصر هي بقصد طرد المماليك الذين طالما شقوا عصا الطاعة على الباب العالي وعاملوا الحكومة الفرنسية بالعداء، والآن وقد تمكنت الجمهورية الفرنسية، بانتصار جيوشها، من وضع يدها على مصر، فإن من أقصى رغبات الجمهورية أن تحافظ على نفوذ ممثل جلالة السلطان، وعلى استحقاقه ووجوده، فلذلك أرجوك أن تؤكد للباب العالي أنه لم يخسر بوجودنا في مصر شيئا، وإنني سأحرص على أن تتلقى حكومة جلالة السلطان الجزية التي كانت ترسل لها من مصر.
1
بونابرت
وعلى كل حال فلم يأت هذا الخطاب بالنتيجة التي كان يريدها نابوليون؛ إذ لم يعد الوالي، ولم تثق الدولة في شيء من صحة هذه التصريحات.
قال الشيخ الجبرتي: «ولما أصبح يوم الأحد «8 صفر، 22 يوليو» والمقيمون لا يدرون ما يفعل بهم، ومتوقعون حلول الفرنسيس، ووقوع المكروه، ورجع الكثيرون من الفارين وهم في أسوأ حال من العري والفزع، فتبين أن الإفرنج لم يعبروا النيل إلى البر الشرقي، وأن الحريق كان في المراكب المتقدم ذكرها، فاجتمع في الأزهر بعض العلماء والمشايخ وتشاوروا فاتفق رأيهم على أن يرسلوا مراسلة إلى الإفرنج، وينتظروا ما يكون من جوابهم، ففعلوا ذلك وأرسلوها صحبة شخص مغربي يعرف لغتهم وآخر صحبته.»
وفي كتب الفرنسيين أن الذين فكروا في فتح باب المخابرة هم جماعة من تجار الإفرنج في القاهرة وذكروا أنهم اجتمعوا بكخيا الوالي - نائبه - وأقنعوه بضرورة ذلك، فسمح لهم بالذهاب إلى البر الغربي لمقابلة القائد العام، وفعلا ذهبوا إليه، فقال لهم: الأولى أن يحضر إلي العلماء والمشايخ والأعيان، لأطمئنهم بنفسي.
وعندي أن رواية الجبرتي أقرب إلى التصديق؛ إذ لا يعقل أن أهل البلد لا يفكرون في حالهم، في ذلك الوقت العصيب، ويتركون لتجار من الأجانب النظر في هذا الأمر، وليس من البعيد أن يكون السعي قد حصل من الجانبين.
والشيخ الدحداح يقول في كتابه: «وفي الصباح اجتمع القاضي والأعيان، وقالوا: لا سبيل لنا إلا التسليم لمن فتح البلاد عنوة فاتفقوا على هذا الرأي وأتوا بقنصل فرنسا والتجار الذين كانوا قد سجنوهم في القلعة، وطلبوا إليهم أن يسيروا معهم إلى بولاق «والصحيح الجيزة»، ليطلبوا إلى بونابرت أن يقبل تسليمهم ويؤمنهم، فأشار عليهم القنصل بأن يرسلوا اثنين من الفرنسيين ومعهم محمد الكاتب الأول لإبراهيم بك، إلى الجنرال بونابرت فلما أتوه قابلهم الباشا وأمنهم على أموالهم وأنفسهم، وطلب إليهم أن يرسلوا إليه بعض القوارب لينقل بها فرقة من جيوشه لتدخل المدينة، وتمنع تعدي رعاع القوم على المنازل، فرضوا وأخبروا العلماء والأعيان بما كان، فبعثوا حالا بالقوارب إلى بر إمبابة فركبتها فرقة الجنرال ديبوي Dupey وكان العلماء والأعيان فيها فاجتمعوا بالجنرال فأمنهم ... فنزل الجنرال ليلا في منزل إبراهيم بك الصغير، وأرسل بعض الجنود إلى القلعة فاستولوا عليها.»
अज्ञात पृष्ठ