नेपोलियन बोनापार्ट इन मिस्र
نابوليون بونابارت في مصر
शैलियों
قلنا في آخر الفصل الخاص بالحملة الفرنساوية من إسكندرية إلى القاهرة، إن جيش نابوليون وصل أم دينار يوم 19 يوليو.
وفي اليوم التالي تقدم إلى الأمام قليلا فوقع بمصر قواده على الجيش الرابض فكان منظره مؤثرا عليهم؛ لأن كثرة الذاهبين والآتين فيه، وكثرة الأتباع والخدم، أكبرت في عيونهم قوة الجيش المصري وخيل لهم، على روايات بعضهم، أن هذه القوة لا تقل عن خمسين ألف مقاتل، وهم «الفرنسيون» لا يزيدون على عشرين ألفا، فلذلك أخذ نابوليون يركض بجواده متنقلا أمام واجهة جيشه، وهو يقول لهم بصوته الرنان، مشيرا بإصبعه إلى قمم الأهرام:
إن أربعين قرنا من الزمان تنظر إليكم.
وأخذ الجيش الفرنساوي في التأهب للقتال، وصدرت الأوامر من القائد العام بأن يسير الجنرال «ديزيه» بفرقته في الميمنة ويجاوره الجنرال «رينيه» بفرقته وتتوسط فرقة الجنرال «دوكا» ومعها القائد العام، عند قلب الجيش، ويرتكز الجنرال «بون» على النيل ويجاوره الجنرال «فيال» مكملا للجناح الأيسر.
فلما أشرق النهار بضوئه التقى الجيش الفرنساوي بفصيلة من المماليك فبددها ببضع طلقات من المدافع، وفي الساعة الثامنة صباحا التقى الجمعان.
فكان أول ملاحظة بونابرت أن الجناح الأيمن للجيش المصري لا يعبأ به؛ لأنه لا يستطيع الخروج من وراء الحواجز التي أقامها، والتي لا تصد، أو تعطل، إلا الخيالة، ثم إن مدافعه لثبوتها وعدم المقدرة على تحريكها، لا تفيده إلا إذا وقف الجناح الأيسر من الجيش الفرنساوي أمامها، فلذلك أصدر بونابرت أمره بالانحراف عن مواجهة هذه المدافع، وبتوجيه فرقة الجنرال «ديزية» للفصل بين قلب الجيش المصري، حيث توجد حقيقة القوة الفعالة، وهي العشرة آلاف مملوك، وبين جناحه الأيمن، فسار «ديزية» وتبعته فرقة «رينيه».
وسارت الجنود الفرنساوية على هذا الطراز نحو نصف ساعة بسرعة كبيرة وبسكون وهدوء، إلا أن مراد بك، وإن لم يكن بالقائد المدرب، إلا أنه قد وهب بصرا ثاقبا وإلهاما حربيا، أدرك الغرض من هذه الحركة، وعرف أنه إذا وصلت القوى الفرنساوية إلى غرضها فقد قضت عليه في الحال، فلذلك أصدر أمره للخيالة التي معه بالهجوم على المشاة الفرنسيين في خلال سيرهم لتعطيلهم في نفاذ خطة فصل قلب الجيش المصري عن ميمنته.
وانقض مراد بك بنحو سبعة آلاف فارس، من أفخر الفرسان الذين امتطوا صهوة جواد في التاريخ القديم والحديث، وبسرعة كالبرق الخاطف، فدخلوا بين فرقتي «ديزيه» و«رينيه»، كالمردود بين الجفن والجفن، وقد عملت هذه الحركة بخفة عجيبة حتى خيل لبونابرت أن «ديزية» أصبح في خطر، وأنه ليس لديه الوقت الكافي للاصطفاف للقتال، ولكن لحسن حظه كانت الفئة الأولى من المماليك الذين هاجموه قليلة، قتل نصفها بطلقات المدافع فمكن في وقت سقوطها، وارتداد الباقي منها، من تكوين مربعه، ورتبت المدافع وطلقات البنادق على الجهات الأربع، ورأى الجنرال «رينيه» الخطر كما رآه «ديزية» فشكل جنوده في مربع أيضا، وتلقى الخيالة المماليك من الجهات الأربع، وقامت فرقة الجنرال «درجا»، التي يقودها بونابرت فعلا، بحركة دوران حول ميمنة المصريين، فحالت بينها وبين النيل، واستطاعت أن تطلق المدافع من وراء الخيالة المماليك المواجهين لمربع «ديزية» ومربع «رينيه»، فوقع بذلك المماليك بين نارين من أمام ومن خلف، فصاروا يتساقطون جثثا هامدة على الأرض، واختل نظام الجيش المصري، ووقع زعماؤه في حيص بيص.
فلم يبق أمام مراد بك إلا الانسحاب للوراء مع ثلاثة آلاف من الخيالة قاصدين الجيزة، وكانت فرقة الجنرال «رامبون» الاحتياطية، قد وجهت إلى الأمام وراء الميمنة المصرية للاستيلاء على نقطة لكي تستطيع قطع المواصلات بين إمبابة والجيزة، وحين رأى من بقي من فرسان المماليك انسحاب مراد بك إلى الجيزة، أرادوا اللحاق به فلقيهم «رامبون» بفرقته التي أشرنا إليها، وأطبقت عليهم فرقة «دوجا» و«وبون» فلم يبق أمام أولئك الفرسان إلا أن يلقوا بأنفسهم في نهر النيل على أمل العبور إلى البر الثاني، وفي ذلك الاضطراب قل من استطاع الوصول منهم سالما، قالوا ولهذا السبب غرق منهم بضعة آلاف.
أما جيش المشاة من الإنكشارية وغيرهم، وكانوا نحو عشرين ألفا متترسين وراء الخنادق، بما معهم من المدافع، فإنهم لما أبصروا هزيمة الخيالة تركوا ميدان القتال فارين لا يلوون على شيء، فمنهم من لقي حتفه، ومنهم من نزل إلى القوارب ووصل إلى البر الشرقي ... ولو كانت هذه القوة الكبيرة تحت قيادة حسنة لاستطاعت أن تدور حول الجنود الفرنسية، وتحصرها بين إمبابة والجيزة، حيث الخيالة، ولكن هذه القوة البيادة لم تكن على شيء من النظام، وكلهم من الباشبوزق والخدم والأتباع، ولم يكن في الحقيقة في مصر قوة للقتال غير قوة الخيالة المماليك، التي كانت تحسن القتال مع جنوده من نوعها، لا أمام بطاريات من مدافع متحركة، ولا أمام بنادق سريعة الطلقات، ولا أمام حركات عسكرية فنية، كالتي امتاز بها جيش نابوليون بونابرت، وقهر بها جيوش إيطاليا والنمسا.
अज्ञात पृष्ठ