नेपोलियन बोनापार्ट इन मिस्र
نابوليون بونابارت في مصر
शैलियों
لقد سر القائد سرورا كبيرا بحسن سلوككم منذ دخول الجيش الفرنسي فلذلك يمنحكم وظيفة محافظ دائرة الإسكندرية، وسنبعث لكم أوامرنا على يد الجنرال كليبر، قومندان عموم الجهة، وذلك لا يمنع السيد محمد كريم من أن يكتب للقائد العام في جميع الأحوال متى أراد، وعليكم أن تقدموا للجنرال كليبر كل ما يطلبه من مستلزمات الجيش الفرنسي وبوليس دائرة العربان.
بونابرت
ولكن السيد محمد كريم هذا ، على الرغم من هذه المعاملة الحسنة، وتلطف نابوليون في مخاطبته وثقته به، لم يحفظ للفرنساويين حرمة، ولم يرع لهم عهدا، وكان كعادة أبناء جنسه وزمنه، وكعادة أبناء وطنه، إلى وقتنا هذا لا يثبتون على رأي واحد؛ إذ بينما هم مع هؤلاء؛ إذ هم مع أولئك ... وعذرهم في هذا قصر نظرهم من جهة، وخوفهم من التقلبات من جهة أخرى، زيادة عما ربوا عليه من أثر الذلة والمسكنة وضعف الإرادة، فقد وجد الفرنسيون معه بعد ذلك، مكاتبات بعث بها وراء ظهورهم إلى مراد بك، يحرضه على الغارة على الإسكندرية، فجاءوا به من الثغر ذليلا ومثلوا به تمثيلا، إلى غير ذلك مما سيأتي في مكانه مفصلا ...
ومن أسرار نجاح نابوليون في حروبه، الإسراع والحيطة، فإنه ما كاد يضع قدمه يوم 2 يوليو في الإسكندرية، حتى أصدر أمره مساء ذلك اليوم للجنرال ديزيه بالتقدم بفرقته للاستيلاء على قرية «البيضة»، وهي على بعد ثلاثة فراسخ من الإسكندرية لكي يكون ذلك بمثابة النقطة الأمامية لقوى الجيش التي تتقدم دائما إلى الأمام، وتنذر بالخطر إن كان هناك هجوم من العدو، ومما يجب ذكره ما أوصى به نابوليون الجنرال ديزيه قبل تحركه لتلك النقطة الأمامية؛ إذ قال له في أوامره: «أن لا تستعمل المدفعية ما استطعت ولا تسلط المدافع على المساكن، وأهم شيء لدينا هو إخفاء ما عندنا من وسائل القوة الغربية، فلا تستعملها إلا حيث تضطر لمقاومة قوة كبيرة جدا.»
7
ثم أصدر أمرا آخر بأن تكون فرقة الجنرال «بون» على بعد فرسخ واحد من الإسكندرية بحيث تكون واسطة المخابرات بينه وبين الجنرال ديزيه.
ومما يجب ذكره هنا أنه كان أمام نابوليون طريقان لنقل جيشه إلى شاطئ النيل، أحدهما من رشيد والثاني من الإسكندرية إلى دمنهور فالرحمانية، والأول سهل لوجود الماء، ولكن رشيد كانت لا تزال في حوزة المماليك، وربما خشي مقاومة منهم فيها، وهو يريد الإسراع للاستيلاء على القاهرة، فلذلك اختار الثاني ووضع نظامه على ذلك.
جاء في المذكرات التي أملاها نابوليون في سانت هيلانة ما يأتي:
وكنا في شهر يوليه وقد قرب النيل أن يغمر الأرض بمياهه، فأراد بونابرت أن يصل إلى القاهرة قبل الفيضان، ولم يكن بونابرت يجهل أن تحت ستار التقاليد القديمة تختفي الحقائق أحيانا، وأنه يجب على الإنسان أن يدرس الأمور قبل أن ينشر نفوذه على البلاد التي يريد افتتاحها، وأن يفهم أن القوة المسلحة وحدها، ليست الضمان الوحيد، وكان يعرف طبقا للتقاليد المألوفة، أن احتلال القاهرة بمثابة احتلال مصر كلها، فمن الواجب عليه أن يسرع في وضع يده على المدينة المقدسة ليقضي بقوة الذعر والخوف، على روح الخرافات والأوهام التي تسود الشعب، فيحرك جيشه ليصل إلى غرضه، وترك حامية مؤلفة من ثمانية أو تسعة آلاف رجل في الإسكندرية وسلم قيادتها، وكذلك قيادة الفرق التي كانت في عهدة الجنرال «ديموي» إلى «كليبر» الذي اضطرته جروحه للبقاء وعدم استطاعته السير.
وفي اليوم السادس من يوليو بدأت الحملة سيرها من الإسكندرية إلى دمنهور مما سنفرد له فصلا خاصا بعد أن ننتقل بالقارئ إلى القاهرة، ونروي له ما حصل فيها، وكيف كان وقع خبر احتلال الفرنسيس على أفئدة المماليك والأهالي.
अज्ञात पृष्ठ