नेपोलियन बोनापार्ट इन मिस्र
نابوليون بونابارت في مصر
शैलियों
إن مثل دولتكم لا يخفى عليه أن العدوة الحقيقية للإسلام هي الروسيا! أوليس القيصر بولس الأول رئيس فرسان مالطة يعلن أنه يحمل شعار الصليبيين ضد الإسلام؟ أوليس هو حامي ذمار الأرثوذكسية الرومية وأتباعها أكثر أعداء المسلمين عددا وأشدهم حقدا؟
وأما فرنسا فإنها بالعكس من ذلك قضت على فرسان مالطة وأفرجت عن الأسرى الأتراك الذين اعتقلهم المالطيون، وفرنسا هي التي تعتقد الآن كما يعتقد المسلمون أن الله واحد فرد صمد.
ومعنى هذا كله أن الباب العالي قد أعلن الحرب على أصدقائه الأوفياء، وحالف عليهم أعداءه الألداء، ومن الغريب أن الباب العالي يبقى صديقا لفرنسا وهي مسيحية حتى إذا خلعت رداء المسيحية، وقاربت في معتقداتها دين الإسلام، قلب لها الباب العالي ظهر المجن وبادأها بالشر والعدوان! فلا نزاع إذن في أن روسيا وإنكلترا قد خدعتا الباب العالي، ومنعنا وصول رسلنا الذين بعثنا بهم للآستانة ليشرحوا لحكومتها فكرة وخطة الحملة الفرنساوية على مصر، تلك الخطة، التي صرحت مرارا وتكرارا من أنها لا ترمي إلا للقضاء على المماليك والإضرار بمصالح إنكلترا، دون التعرض إلى حقوق صديق فرنسا جلالة السلطان سليم، وأن المعاملة التي عاملت بها جميع رجال الدولة العثمانية الذين وجدتهم في مصر، وكذلك معاملتنا للسفن التي تحمل الراية العثمانية لأصدق برهان على حسن نيات الجمهورية الفرنسية، ولكن مع كل هذا أعلن الباب العالي الحرب على فرنسا في أول يناير، ومع علمي بذلك فإنني لم أيأس من إمكان إعادة المياه إلى مجاريها، فبعثت بالستوين «بوشان» قنصل الجمهورية الفرنساوية رسولا للباب العالي فقوبل بالقبض عليه وسجنه، وقوبلت مساعي بحشد الجيوش في غزة وأمرها بالزحف على مصر، فاضطررت أن أحاربها في سوريا، بدلا من أن تحاربني في وادي النيل.
ولا يخطرن على بالكم أنني أكتب هذا خوفا وتزلفا! كلا فإن جيشي قوي مدرب جامع لكل الصفات التي تؤهل لقهر أعدائه، وقد أقمت القلاع والحصون على الحدود وعلى شواطئ البحار فأصبحت في أمن، وأضحت جيوشي لا تغلب، ولكني مع كل هذا رأيت من واجبي نحو الإنسانية، ونحو السياسة الرشيدة الصحيحة، ونحو أقوم وأصدق حليف لفرنسا، أن أسعى هذا المسعى.
وإني واثق من أنه لا يمكن للباب العالي أن يدرك بالحرب وإراقة الدماء، ما يناله بالمسالمة والصفاء، وإني لعلى قدم الاستعداد لسحق أي جيش يقصد به الإغارة على مصر، ولكني مستعد من جهة أخرى أن أقابل كل مسعى للتوفيق بأحسن ما تريده الدولة العثمانية من التساهل، فعليكم بعد هذا أن توقفوا تيار هذه الاستعدادات التي تبذلون فيها نهاية جهدكم عبثا، ولتعلموا أن أعداء تركيا ليسوا في مصر، بل هم على مقربة من البوسفور، وهم الآن في جزيرة كوفو تمخر سفنهم في مياه الأرخبيل بسبب سوء تصرفات رجال الدولة «يشير إلى وجود السفن الروسية في البحر الأبيض وخروجها من البوسفور».
على تركيا أن تقوي جيوشها وتكثر من بناء السفن وتسليحها، ولتدعو المسلمين تحت ظل البيرق النبوي، لا لمحاربة فرنسا، بل لمحاربة الروس والألمان الذين يريدون جميعا إضعاف تركيا ونيل أغراضهم، وإن قلتم: إن تركيا تريد مصر، نقول لكم: إن فرنسا لم ترد ولا تريد أن تسلبكم إياها.
فإما أن تبعثوا بسفراء مفوضين لباريس، وإما أن تبعثوا برسول منكم إلى القاهرة، وإني أؤكد لكم أنه لا تنقضي ساعتان من الزمان في المناقشة والإيضاح، حتى يتم الاتفاق على الصلح والسلام، ونحن مستعدون أن نقفل البحر في وجه الروسيا ونقاوم تلك الدولة التي تتخذنا جميعا ألعوبة لأغراضها ومطامعها، فليس من مصلحة فرنسا أن توجه مهارة جيوشها وبسالة جنودها ضد المسلمين، بل بالعكس تقضي مصلحتها بالاتفاق على الدوام ضد أعدائها وأعداء الإسلام، وأظن أنني وفيت المقام حقه من الشرح والبيان، فإن أردتم المخابرة، ففي إمكانكم استدعاء الستوين بوشان الذي بلغني أنه محجوز عندكم، وفي إمكانكم اتخاذ أية وسيلة أخرى، وأني أؤكد لكم أن أسعد أيام حياتي هو اليوم الذي أستطيع فيه إيقاف تيار العداوة بين تركيا وفرنسا، والقضاء على هذه السياسة العقيمة ... إلخ.
الإمضاء «بونابرت»
7
وبعث نابوليون هذا الخطاب مع أحد الضباط العثمانيين المأسورين، باتفاق وتعليمات من المشير مصطفى باشا، ولا علم لمولانا الشيخ الجبرتي بهذه المساعي؛ لأنه لم يشر إليها بحرف واحد، ولكنها اتصلت بالمعلم نقولا الترك فأشار إليها بقوله: «وابتدأ «بونابرت» يكاتب الدولة على يد مصطفى باشا، ويذكرهم صداقة الفرنساويين ويحذرهم من باقي الدول، وأن الأوفق لهم إقامة الفرنساوية في مصر، وأنهم أنسب من الغز وتبقى الخطبة والسكة باسم الدولة العثمانية، ويمشي الحج كعادته القديمة ويدفعون الأموال المعتادة للخزينة، وأرسل مصطفى باشا هذا الخطاب مع أحد أتباعه.»
अज्ञात पृष्ठ