नेपोलियन बोनापार्ट इन मिस्र
نابوليون بونابارت في مصر
शैलियों
6
كان يريد أن يقتل كل يوم أناسا بأدنى سبب، فكان المهدي والصاوي يعارضانه ويتكلمان معه في الديوان ويوبخانه ويخوفانه سوء العاقبة، وهو يرسل إلى ساري عسكر فيطالعه بالأخبار ويشكو منها، فلما حضر عاتبهم في شأن ذلك فلاطفوه حتى انجلى خاطره، وأخذ يحدثه على ما وقع له من القادمين إلى أبي قير والنصر عليهم وغير ذلك.» ا.ه.
وأما عبارة المعلم نقولا الترك فهي كما يأتي «وفي خامس شهر ربيع أول «هذا خطأ وصوابه عاشر» حضر أمير الجيوش إلى مصر، ودخل بالعز والنصر، وبليت أعداؤه بالذل والقهر، وصحبته مصطفى باشا وولده مأسورين مع جملة الأسارى «وهذا أيضا غير صحيح؛ لأن مصطفى باشا وابنه أرسلا للجيزة قبل قدوم نابوليون بعدة أيام» وفي ثاني يوم من وصوله حضرت لعنده جميع الحكام والعلماء والأعيان وأرباب الديوان، وهنئوه بقدومه وانتصاره، فنظر إليهم بعين فراسته واختباره، وقد وجدهم في حزن شديد، وقد بلغه الهرج الذي حصل في غيابه، وعزمهم عليه في انقلابه، والكتابات التي أتت إليهم من مصطفى باشا وعثمان خواجة حين حضروا إلى أبي قير فقال لهم: «لقد أخذني منكم العجب أيها العلماء والسادات إذ إنني أراكم تغتمون وتحزنون من انتصاري، حتى الآن ما عرفتم مقداري، وقد خاطبتكم مرارا عديدة وأخبرتكم بأقوالي بأنني أنا مسلم موحد، وأعظم النبي محمد، وأود المسلمين، وأنتم إلى الآن غير مصدقين، وقد ظننتم أن خطابي هذا خشية منكم مع أنكم شاهدتم بأعينكم، وسمعتم بأذنكم، قوة بطشي واقتداري، وحققتم فتوحاتي وانتصاري، فقولي لكم إني أحب النبي محمد، ذلك لأنه بطل مثلي، وظهوره مثل ظهوري، بل وأنا أعظم منه؛ إذ إنني غزوت أكثر منه، ولي باقي غزوات غزيرة، وانتصارات كثيرة سوف تسمعونها بآذانكم وتشاهدونها بأعينكم، فلو كنتم عرفتموني، لكنتم عبدتموني وسوف يأتيكم زمان به تذلون، وعلى ما فعلتم تندمون، وعلى أيامنا تتحسرون وتبكون، فأنا قد بغضت النصارى ولاشيت ديانتهم وهدمت معابدهم، وقتلت كهنتهم، وكسرت صلبانهم، ورفضت إيمانهم، فهل تريدون أن أرجع نصرانيا ثانيا، فإذا رجعت فلا تجدون في رجوعي فائدة ، فدعوا عنكم هذه الأحوال، وامتثلوا لأمر الله المتعال، وكونوا فرحين مطمئنين، ليحصل لكم النجاح والصلاح، وقد نبهتكم مرارا عديدة، ونصحتكم نصائح مفيدة، فإن كنتم تعرفونها وتذكرونها فتربحوا وتنجحوا، وإن كنتم رفضتموها تخسرون وتندمون.» ا.ه كلام نابوليون، وقال المعلم نقولا: «ثم انصرفت العلماء وهم منذهلون من هذا الخطاب، ومتعجبين كل الإعجاب، ولم يقدر أحد أن يرد له جواب.» ا.ه.
ونحن نترك مناقشة ما كتبه مسيو شرفيس تعليقا وبحثا في هذه الأقوال المنسوبة إلى نابوليون بونابرت، إلى الباب الذي سنخصصه في الكلام على مسألة بونابرت وإسلامه، وقد وعدنا بذلك في مواقف سابقة، ولكن لا بد لنا من القول هاهنا بأن عبارة المعلم نقولا مبالغ فيها، وأن نابوليون ما كان ليخطر له ببال في تلك اللحظة، أن له بقية من «غزوات غزيرة وانتصارات كثيرة» ولعل المعلم نقولا كتب رسالته، أو أعاد تنقيحها، بعد أن ذاعت شهرة نابوليون وغزواته في أوروبا فاختلق من دماغه ما اختلق.
وكان من نتائج فوز الفرنسيين في واقعة أبي قير، كما هو ظاهر من عبارات نابوليون التي أذاعها في طول البلاد وعرضها، أن يقوى النفوذ الفرنسي، وأن يجنح الذين أظهروا الميل والولاء للفرنسيين إلى التغالي والتعالي على المصريين، وعدم المبالاة بشعورهم، ولا سيما بعد أن بدت من المصريين بوادر الشماتة والاستبشار بقدوم الأتراك، وما كان المصريون في ذلك الزمن يظنون أو يتخيلون أن الجيش التركي يقهر ويذل على أيدي جماعة كالفرنسيس، ومن العبارة الآتية التي ننقلها عن الجبرتي، دليل جلي على الحالة السياسية والشعور المصري في تلك الفترة، والعبارة على بساطتها لها دلالة قوية على ما كان يحس به المصريون بارزا، في صورة أبقتها لنا ريشة الجبرتي: قال بمناسبة الاحتفال بحفلة وفاء النيل عقب عودة نابوليون للقاهرة :
خرج النصارى البلدية من القبطة والوشام والأروام وتأهبوا للخلاعة والقصف والتبرج واللهو والطرب، وذهبوا تلك الليلة إلى بولاق ومصر العتيقة والروضة واكتروا المراكب ونزلوا فيها وصحبتهم الآلات والمغاني، وخرجوا في تلك الليلة عن طورهم، ورفضوا الحشمة، وسلكوا مسلك الأمراء سابقا من النزول في المراكب الكثيرة المقاديف وصحبتهم نساؤهم وقحابهم وشرابهم، وتجاهروا بكل قبيح من الضحك والسخرية وغير ذلك، وأجرى الفرنساوية المراكب المزينة وعليها البوارق وفيها أنواع الطبول والمزامير في البحر، ووقع في تلك الليلة في البحر وسواحله من الفواحش والتجاهر بالمعاصي والفسوق ما لا يكيف ولا يوصف ... إلى آخره ...
ونترك للقارئ ما يستنتجه من مغزى هذه العبارة، وننتقل إلى بقية أعمال نابوليون في مصر قبل مبارحته أرضها. (7) محاولات سياسية مع تركيا
كانت المدة التي قضاها نابوليون بونابرت في القاهرة بعد معركة أبي قير عبارة عن أسبوع واحد «من يوم الأحد 11 أغسطس إلى الأحد 18 منه» وصادف يوم 11 ربيع الأول الموافق 13 أغسطس المولد النبوي، فاحتفل السيد خليل البكري بالمولد كعادته احتفالا كبيرا أقام له مهرجانا فخما في الأزبكية، ودعا إليه نابوليون بونابرت إلى منزله فلبى الدعوة، وإلى القارئ رواية الجبرتي في هذا الصدد، قال: «دعا الشيخ خليل البكري ساري عسكر الكبير مع جماعة من أعيانهم وتعشوا عنده، وضربوا ببركة الأزبكية مدافع وعملوا حراقة وصواريخ، ونادوا في ذلك اليوم بالزينة وفتح الأسواق والدكاكين ليلا وإسراج قناديل واصطناع مهرجان.» ا.ه. وهكذا شارك نابوليون في احتفال المولد النبوي للمرة الثانية والأخيرة في حياته، وهو مشغول البال بالاستعداد للسفر، أو بعبارة أصح للهرب من القطر المصري.
وفي هذه المدة حاول نابوليون الصلح مع الدولة العثمانية، خصوصا وقد علم أن الصدر الأعظم يوسف باشا ضيا قد برح الآستانة وحضر بنفسه إلى الأناضول وسوريا ليجمع جيشا يهاجم به مصر من طريق الشرق، وأراد نابوليون أن يتخذ من وجود الشيخ مصطفى كوسة باشا في القاهرة أسيرا، واسطة في المخابرة مع الصدر الأعظم فكتب خطابا طويلا، لا تزال صورته باللغة الفرنساوية محفوظة في أوراق وزارة الحربية، وفي مكاتبات نابوليون بنمرة 436، وتاريخه 17 أغسطس؛ أي: قبل سفره من القاهرة لإسكندرية ومنها لفرنسا بيوم واحد، ولما كان هذا الخطاب على جانب عظيم من الأهمية السياسية، رأينا أن نأتي على تعريبه من الأصل الفرنساوي، قال بعد الديباجة مخاطبا الصدر الأعظم:
أريد بواسطة هذا الخطاب أن أوقفكم على مركز مصر الحقيقي لعلي بذلك أساعد على فتح باب المخابرات بين الباب العالي والجمهورية الفرنساوية فيما عساه يؤدي إلى وضع حد للحرب القائمة بين الأمتين، تلك الحرب التي لا تعود إلا بالخسارة على الجانبين، وأني لا أدري أي طالع نحس قضى بشبوب نار الحرب بين أمتين عاشتا طول الزمان على صفاء ووفاق لبعد ما بينهما من الشقة، ولعداوة فرنسا للروسيا، وعداوة هذه الأبدية لتركيا، وكيف لا ترى دولتكم أن كل جندي تخسره فرنسا، هو خسارة للأمة العثمانية؟ وكيف خفي على فطنتكم السياسية، وخبرتكم بشئون ممالك العالم أن الروسيا وألمانيا طالما اتفقتا على تجزئة المملكة العثمانية، ولم يمنعها عن ذلك إلا معارضة فرنسا؟
अज्ञात पृष्ठ