182

नेपोलियन बोनापार्ट इन मिस्र

نابوليون بونابارت في مصر

शैलियों

كانت حملة نابوليون على سورية مدعاة للتأثير العظيم على العالم الإسلامي؛ لأن محاربة الدولة العثمانية في سوريا بجيش مدرب تحت قيادة رجل مثل نابوليون بونابرت كان من شأنه أن يبعث الوجل والاضطراب في قلوب أمراء المسلمين، الذين كانوا تابعين للدولة العثمانية اسما، وكانوا يتحينون الفرص للخلاص من سيطرتها المركزة في القسطنطينية - تلك السيطرة التي كانت تخول لها إرسال الولاة الظالمين المتغطرسين الضالين إلى ولاياتها المختلفة، ولهذه الأسباب كان كبار الأمراء وذوي العصبية من ولايات الدولة العثمانية ينظرون إلى نتيجة الحملة الفرنسية في سوريا لينضموا، أو ليشايعوا، أو ليظهروا الولاء للغالب، أملا في الخلاص، ووسيلة للاستقلال عن الآستانة، وكان من هؤلاء الأمير بشير الشهابي وأمثاله في فلسطين وسوريا، ومنهم أيضا أمير مكة الشريف مسعود بن غالب.

وقد سبق لنا أن ذكرنا أن نابوليون انتهز فرصة موسم الحج فأرسل خطابا لشريف مكة يذكر له فيه استيلاءه على مصر ويدعوه إلى المصادقة، ويظهر أن الشريف غالب لم يحفل بالرد على نابوليون، ولكنه حين علم أن الفرنسيين قاموا بحملة على سورية وأخذوا يهاجمون عكا، وأنه مما يدخل في حيز الممكنات أن تتفكك عرى الدولة العثمانية، بعث بخطاب مطول إلى القاهرة يظهر فيه التودد نحو الفرنسيين ويعدهم بالمعونة والتأييد.

وقد نشر الجبرتي نص هذا الخطاب؛ لأن الفرنسيين أذاعوه في مصر ليقيموا البرهان على أن أمراء المسلمين يراسلونهم ويظهرون العطف نحوهم.

وقد رأينا من الواجب إثبات صورة ذلك الخطاب في هذا الكتاب، لما له من القيمة الأثرية التاريخية ولإظهار أسلوبه العربي في ذلك العهد، وصورته كما يأتي:

من الشريف غالب بن مساعد شريف مكة المشرفة إلى عين أعيانه، وعمدة إخوانه «بوسليك» مدير أمور جمهور الفرنساوية، وممهد بنيان السياسة بسداد همته الوفية؛ وبعد: فإنه وصل إلينا كتابك، وفهمنا كامل ما حواه خطابك، مما ذكرت من وصول «قنجتنا» وأنك أرسلت هجانا برفع العشور عن البن، وبذلت الهمة في شأن التصرف في نفاذ بيعه، وتأملنا في كتابك فوجدنا من صدق مقاله ما أوجب تمسكنا بوثاق الاعتماد عن تموه غياهب الشك في كل المراد، ووجب الآن علينا تكوين أسباب المصادقة، والمبادرة فيما ينظم مهمات تسليك الطرق بيننا وبينكم عن الوعث وزوال المناكرة، وشهلنا الآن إلى طرفكم خمسة مراكب مشحونة من نفس بندرنا جدة المعمورة في هذا الأوان، ولا أمكن لنا خروج هذا المقدار إلا بمشقة علاج مع سلب اطمئنان التجار؛ لأن كثرة أكاذيب الأخبار، أوجبت لهم مزيد الارتياب والأعذار، بحيث ما بيننا وبينكم إلا العربان المختلفة رواياتهم على ممر الأزمان، وأما نحن فقد جاءتنا منكم قبل هذا المكاتيب، التي أوجبت عندنا من خطاب كتبكم زوال تلك الظنون والأكاذيب، فخاطرنا مستقر بالطمأنينة من قبلكم، لما ثبت عندنا من ألفاظ كتبكم، والمطلوب في حال وصول كتابنا إليكم إرسال عسكر من لديكم إلى بندر السويس لأجل حفظ أموال الناس، ويصلوا بالأبنان إلى مصر، ويبيع التجار، ويزول وقف الأسباب والبأس، وتهتموا في رجوعهم كذلك قبل بأوان، ليكون ذلك سببا في كثرة وفود الأبنان، وعند رجوعهم يعد البيع من مصر إلى السويس كذلك تصحبوهم بالعسكر من طرفكم الوثيق، ليكونوا محافظين لهم من شرور الطريق؛ لأن هذه المرة ما أرسل إليكم هذا المقدار إلا تجربة واستخبارا من أعيان التجار، وعند مشاهدة الإكرام والاحتفال بهم، في كل حال يرسلون إليكم نفائس أموالهم، ويهرعون بالجلب لطرفكم، ويزول الريب عن قلوبهم، ونرجو الله بهمتنا تسليك الطرقات، وتنجيح المطالب، وتحصيل الميراث بأحسن مما كانت من الأمان، وأعظم مما سبق في غابر الأزمان، ويكثر بحول الله الوارد إليكم من الأسباب الحجازية، وكذلك لنا بن في المراكب، فمأمولنا منكم إلقاء النظر على خدامنا، وبذل الهمة على ما هو من طرفنا، وأنتم كذلك لكم عندنا مزيد الإكرام في كل مرام، ولا يخفاك أنه ورد علينا قبل بأيام كتب من طرف أمير العسكر الفرنساوية، محبنا بونابرته، فما كان لنا منها فتأملناه، وصار إليه الجواب فوصله إليه، وما كان منها معولا في إرساله علينا إلى نواحي الهند وابن حيدر وإمام مسكت، ووكيلكم الذي في المخا، فجميعا أصدرناها من طرفنا مع من نعتمده إلى أربابها، وإن شاء الله عن قريب يأتيكم الجواب والسلام.

تحريرا في ثمانية عشر شهر ذي القعدة سنة ألف ومائتين وثلاثة عشر. •••

وظاهر من هذا أن مخابرات نابوليون لم تكن قاصرة على شريف مكة، بل اتخذه أيضا واسطة لإيصال كتبه وأغراضه إلى حيدر آباد في الهند، وإلى إمام «مسقط» على الخليج الفارسي، وإلى القنصل الفرنسي في المخا، أو موخا، باليمن.

أما حوادث محاربة الفرنسيس للمماليك في الصعيد فقد أجملناها تحت عنوان المحاربات الفرعية من هذا الكتاب.

هوامش

الفصل السابع عشر

अज्ञात पृष्ठ