नेपोलियन बोनापार्ट इन मिस्र
نابوليون بونابارت في مصر
शैलियों
ولكن الذي يلفت النظر ولا يفوت المؤرخ هو ملاحظة أن الفرنسيين كانوا على استعداد للعفو عن السيد محمد كريم عفوا تاما لو أنه دفع لهم ما أرادوه من المال فداء عن نفسه، وإذن فلم يكن العدل أو القصاص هو المقصود بالذات، وإنما كانت الغاية اغتصاب المال ممن يظنون أنه كان رجلا غنيا، أو أن أغنياء البلد سيشفقون عليه ويجمعون المال لخلاص حياته، وفي ذلك من العار والشنار ما فيه.
وسواء استحق السيد محمد كريم تلك العقوبة لخيانة عهدا قطعه على نفسه - وهو عهد أعطي لعدو البلاد تحت سيف القهر والقوة - أم أنه نال ذلك العقاب جزاء وفاقا لمظالم سابقة ارتكبها، ونفوس بريئة أزهقها، والعدل الإلهي جرى مجراه!! فإن ذلك شيء، وتصور المصريين أن الفرنساويين قد ظلموا رجلا من كبار رجالهم، شيء آخر، خصوصا إذا كان السيد محمد كريم ينتسب حقيقة إلى الأشراف بلقب السيادة، وإن كان لقب «السيد» يطلق في مصر على أبناء البلد فيقولون «سي السيد» فلان، لكل معمم وتاجر ومن لا صفة له من العلم أو الوظيفة، ولا شك أن نابوليون أراد أن يلقي على المصريين درسا ثقيلا، ولكنه ككل الأوروبيين لا يصلون إلى فهم الروح الشرقية، ولذلك فإنه بدلا من أن تستفيد سياسته من قتل السيد محمد كريم والتمثيل به، قد خسر أضعاف ذلك من تغير القلوب، وإعطاء أعدائه سلاحا ماضيا لمحاربته وتنغيص سلطته.
وأصدر أوامره للجنرال كليبر بالإسكندرية بأن يقطع دابر الأعراب في مديرية البحيرة، وأن يحفظ مواصلاته ببحيرة أدكو ورشيد، وكذلك أصدر أمرا طويلا إلى الجنرال أندريوسي (Andreossy)
بدراسة وفحص بحيرة المنزلة حتى يأمن على البلاد من السفن المعادية.
ولتحصين بحيرة المنزلة وفحصها حدثت محاربات ووقائع عسكرية بين الفرنسيين وبين أهالي الجهات الواقعة بالقرب من دمياط وفي مديرية الدقهلية.
ولما كانت المصادر العربية خالية كل الخلو من الإشارة إلى تلك الوقائع والملاحم رأيت من الواجب أن أعتمد على المصادر الفرنسية فألخص من «لاكروا» الروايات الآتية في مكانيها، قبل أن ننتقل إلى مخابرات نابوليون مع والي عكا، وقبل أن ندخل في أسباب وتاريخ ثورة القاهرة، ليرى القارئ المصري أن الفرنسيين لم يكونوا مطمئنين لا في الداخل ولا في الخارج، ولا في القاهرة ولا في الأقاليم، وفي ذلك من الموعظة السياسية والتاريخية ما فيه.
وإلى القارئ ملخص لتلك الملاحم والحوادث التي جرت في شمال القطر المصري ملخصه عن «لاكروا» قال ما خلاصة تعريبه:
عين الجنرال مينو «الذي أسلم بعد وسمي عبد الله مينو» محافظا لرشيد وبعد أن وجه عنايته لنشر أعلام الأمن في ربوع هذه الأرجاء وإعادة الطمأنينة إليها قرر أن يتفقد الأحوال بنفسه فيها، واستصحب معه الجنرال «مارمون» الذي أرسله القائد العام بمهمة خاصة، وقاما للطواف في البلاد ومعهما بعض أعضاء المجمع العلمي في مصر الذين انتهزوا هذه الفرصة للبحث والتنقيب خدمة للعلم».
وفي اليوم العاشر من شهر سبتمبر سافرت هذه البعثة من رشيد سائرة على ضفاف النيل، ولم يكن رجالها يخافون أهل البلاد أو يرتابون في إخلاصهم بعد أن رأوا احتفاء أهالي برمبال ومطوبس وفوه بهم.
وأراد الجنرالان أن يعبرا إلى الضفة اليمنى، ولكن فيضان النيل حال بينهما وبين أمنيتهما؛ إذ كان لا بد لهما من اجتياز جسور لا يزيد عرضها عن قدمين، وهي مهددة بالسقوط من وقت لآخر.
अज्ञात पृष्ठ