تطويل وتحقيق وفيه شكوك لا تنحل إلا بالكلام المشبع فلنعدل إلى الطريق الأوضح " فنقول " إن كل قاصد فله مقصود والعقلي منه هو الذي يكون وجود المقصود عند القاصد أولى بالقاصد من لا وجوده عنه وإلا فهو هذر والشيء الذي هو أولى بالشيء فإنه يفيده كمالا ما إن كان بالحقيقة فحقيقيا وإن كان بالظن فظنا مثل استحقاق المدح وظهور القدرة وبقاء الذكر فهذه وما أشبهها كمالات ظنية أو الريح أو السلامة أو رضاء الله وحسن معاد الآخرة. وهذه وما أشبهها كمالات حقيقية لا تتم بالقصد وحده فإذا كل قصد ليس عبثا فإنه يفيد كمالا لقاصد لو لم يقصد لم يكن ذلك الكمال والعبث مما علمت من سائر ما تبين لك ومحال أن يكون المعلول المستكمل وجوده بالعلة يفيد العلة كمالا لم يكن فإن المواضع التي يظن فيها أن المعلول أفاد علته كمالا مواضع كاذبة أو محرفة ومثلك ممن أحاط بما سلف له في الفنون لا يقصر عن تأملها وحلها " فإن قال قائل " إن الخيرية توجب هذا وإن الخيرية تفيد الخير " قيل له " إن الخيرية تفيد الخير لا على سبيل قصد وطلب ليكون ذلك فإن هذا يوجبه النقص وأن كل قصد وطلب لشيء فهو طلب لمعدوم وجوده عند الفاعل أولى من لاوجوده وما دام معدوما وغير مقصود لم يكن ما هو الأولى به وذلك نقص وأن الخيرية لا يخلو إما أن تكون صحيحة موجودة دون هذا القصد ولا مدخل لوجود هذا القصد في وجودها فيكون كون هذا القصد ولا كونه عند الخيرية واحدا فلا يكون الخيرية توجبه ويكون حال سائر لوازم الخيرية التي تلزم بذاتها لا عن قصد هو هذه الحال وإما أن يكون بهذا القصد تتم الخيرية وتقوم فيكون هذا القصد علة لاستكمال الخيرية وقوامها لا معلول لها " فإن قال قائل " إن ذلك للتشبه بالعلة الأولى في أن فيه خيرية متعدية وحتى تكون بحيث يتبعها خير " فنقول " إن هذا في ظاهر الأمر مقبول وفي الحقيقة مردود فإن التشبه به في أن لا يقصد شيئا بل أن ينفرد بالذات فإنه على هذه الصفة اتفاقا من جماعة أهل العلم - وإما استفادة كمال بالقصد فمباين للتشبه به اللهم إن يقال أن المقصود الأول شيء وهذا بالقصد الثاني وعلى جهة الاستتباع فيجب في اختيار الجهة أيضا أن يكون المقصود بالقصد الأول شيئا وتكون المنفعة الذكورة مستتبعة لذلك المقصود. فتكون الخيرية غير مقصودة قصدا أوليا لنفس ما يتبع بل يجب أن يكون هناك استكمال في ذات الشيء مستتبع لتلك المنفعة حتى يكون تشبها بالأول ونحن لا نمنع أن تكون الحركة مقصودة بالقصد الأول على أنها تشبه بذات الأول من الجهة التي قلنا وتشبه بالقصد الثاني بذات الأول من حيث يفيض عنه الوجود بعد أن يكون القصد
पृष्ठ 222