221

لأجل شيء غير ذواتها ولا يجوز أن يكون لأجل معلولاتها. أرادوا أن يجمعوا بين هذين المذهبين فقالوا إن نفس الحركة ليس لأجل ما تحت القمر ولكن للتشبه بالخير المحض والتشوق إليه. فأما اختلاف الحركات فيختلف ما يكون من كل واحد منها في عالم الكون والفساد اختلافا ينتظم به بقاء الأنواع كما أن رجلا خيرا لو أراد أن يمضي في حاجته سمت موضع واعتراض له إليه طريقان أحدهما يختص بإيصاله إلى الموضع الذي فيه قضاء وطره والآخر يضيف إلى ذلك إيصال نفع إلى مستحق وجب في حكم خيريته أن يقصد الطريق الثاني وإن لم تكن حركته لأجل نفع غيره بل لأجل ذاته. قالوا وكذلك حركة كل فلك إنما هي لتبقى على كماله الأخير دائما لكن الحركة إلى هذه الجهة وبهذه السرعة لينفع غيره. فأول ما نقول لهؤلاء أن أمكن أن يحدث للأجرام السماوية في حركاتها قصد ما لأجل شيء معلول ويكون ذلك القصد في اختيار الجهة فيمكن أن يحدث ذلك ويعرض في نفس الحركة حتى يقول قائل إن السكون كان يتم لها به خيرية تخصها والحركة كانت لا تضرها في الوجود وتنفع غيرها ولم يكن أحدهما أسهل عليها من الآخر أو أعسر فاختارت الأنفع. فإن كانت العلة المانعة عن القول بأن حركتها لنفع الغير استحالة قصدها فعلا لأجل الغير من المعلولات فهذه العلة موجودة في نفس قصد اختيار الجهة لم تمنع قصد الحركة وكذلك الحال في قصد السرعة والبطء هذه الحالة فليس ذلك على ترتيب القوة والضعف في الأفلاك بسبب ترتيب بعضها على بعض في العلو والسفل حتى ينسب إليه بل ذلك مختلف " ونقول " بالجملة لا يجوز أن يكون عنها شيء لأجل الكائنات لا قصد حركة ولا قصد جهة حركة ولا تقدير سرعة وبطء ولا قصد فعل البتة لأجلها وذلك لأن كل قصد فيكون من أجل المقصود ويكون أنقص وجودا من المقصود لأن كل ما لأجله شيء آخر فهو أتم وجودا من الآخر من حيث هو والآخر على ما هما عليه بل يتم به للآخر النحو من الوجود الداعي إلى القصد ولا يجوز أن يستفاد الوجود الأكمل من الشيء الأخس. فلا يكون البتة إلى معلول قصد صادق غير مظنون وإلا كان القصد معطيا ومفيدا لوجود ما هو أكمل وجودا منه - وإنما يقصد بالواجب شيئا يكون القصد مهيأ له ومفيد وجوده شيء آخر مثل الطبيب للصحة فالطبيب لا يعطي الصحة بل يهيء لها المادة والآلة وإنما يفيد الصحة مبدأ أجل من الطبيب وهو الذي يعطي المادة جميع صورها وذاته أشرف من المادة وربما كان القاصد مخطئا في قصده إذا قصد ما ليس أشرف من القصد فلا يكون القصد لأجله في الطبع بل للخطأ ولأن هذا البيان يحتاج إلى

पृष्ठ 221