على أن كتاب «أصول الرياضة» هذا وإن يكن قد ألقى الضوء الشديد على طبيعة المنطق والرياضة معا، فسرعان ما تبين علماء المنطق وعلماء الرياضة مواضع النقص فيه وهموا بإصلاحها، ومن أهم من تصدى لذلك تلميذ لبرتراند رسل، هو «لدفج وتجنشتين» الذي أدرك في تحليلات أستاذه أنها مبتورة الصلة بالخبرة الواقعية، كأنما رموزه الصورية في واد والخبرة الفعلية في واد آخر، فأراد أن يصل الطرفين برابطة توضح قيمة المنطق من الناحية التطبيقية دون أن تنقص من صدق قضاياه صدقا مطلقا غير مشروط بالحالات الجزئية الواقعة في لحظات الزمان ونقاط المكان، فاقتضاه هذا أن يبحث في طبيعة القضايا بصفة عامة وطبيعة قضايا المنطق بصفة خاصة، وعرض نتائج بحثه هذا في رسالته المعروفة باسم «رسالة منطقية فلسفية»،
12
والتي كان من أهم النتائج التي عرضتها نقدها للعبارات الميتافيزيقية؛ إذ بينت أن أمثال هذه العبارات إن هي إلا نتيجة لخطأ في فهم منطق اللغة؛ فكان هذا الرأي بمثابة الحافز المباشر لتكوين جماعة فلسفية في فيينا، فجاء تكوينها فاتحة لمرحلة جديدة في الفلسفة التحليلية المعاصرة، هي التي عرفت فلسفتها أول ما عرفت باسم «الوضعية المنطقية»؛ فما هي جماعة فيينا؟ وما منحاها في النظر والبحث؟
الفصل الثالث
جماعة فيينا
1
جرى العرف في جامعة فيينا أن تسند أستاذية الفلسفة بها إلى رجل من رجال العلوم الطبيعية به ميل إلى فلسفة هذه العلوم، وإنه لعرف يرتد إلى سنة 1895م؛ إذ أسندت أستاذية الفلسفة عندئذ إلى إرنست ماخ
1
الذي لبث في منصبه ذاك حتى سنة 1901م، ومنذ ذلك التاريخ والتقليد قائم في جامعة فيينا ألا يتولى ذلك المنصب إلا من هو من قبيل ماخ في العلوم الطبيعية وفلسفتها، حتى كان عام 1922م، فشغل منصب أستاذية الفلسفة مورتس شليك
2
अज्ञात पृष्ठ