ويخرج فريد وتقول فوزية: أنت تعرفين الآن أنك لن تتزوجي وجدي. - كيف أعرف؟ - إن الأمر في يدك وحدك وقد أوضحت هذا لأبيك، ولم يعد شيئا خافيا الآن، أنت وحدك تملكين مصير نفسك.
وتبتسم سميحة وتنعم النظر في عيني زوجة أبيها: أنت في غاية الذكاء. - وأنا معجبة بك، حقك وتمسكت به ولكن يبقى شيء هام. - بابا. - ما رأيك؟ - موقفه صعب. - أترضين له هذا أمام أخيه وابن أخيه وزوجة أخيه؟ - لا، أنا مضطرة. - إلى ماذا؟ - إلى الرفض. - هذا أمر اتفقنا عليه. - إذن. - ألم تفهمي؟ - أتظاهر بالقبول. - والشبكة ليست كتب كتاب. - موافقة. - البسي.
الفصل التاسع
قالت له في اليوم التالي وهما سائران على شاطئ النيل في المعادي: لقد خطبت أمس.
ووقف، ثم جلس على الحجارة ثم التقط شهيقا مروعا، ونظر إليها: ماذا؟ ماذا قلت؟
وانفجرت ضاحكة. أمزاح في مثل هذا؟ - أنا والله لا أمزح.
وروت له كل شيء وأدرك أنه لا بد أن يتحرك من فوره وإن كانت سميحة تقول له في هدوء: إن الذي حدث أمس كان من المنتظر حدوثه، وربما كان وقوعه خيرا لنا وأنت لا تدري. - ربما، ولكن كيف؟ - لقد أدرك أبي اليوم أن مصيري بيدي وحدي، وأنه لا يستطيع أن يرغمني على زواج لا أريده. - هذا حق والآن جاء دوري. - لا تتعجل. - أترضين لي أن تقفي أنت هذا الموقف الحر وأسوف أنا؟ - اسمع يا مجدي أنا لست جاهلة، وأنا حين أحببتك عرفتك على حقيقتك، وأنا لست ساذجة لأحبك أولا ثم أضعك بعد ذلك في موضع الاختبار. - هل تتصورين السعادة التي أشعر بها وأنا أسمع هذا الحديث؟ - نعم أتصورها لأني أحس بهذه السعادة وأنا أقول ما أقول. - كنت أحسب أنك أحببتني لأننا نشأنا معا، ونشأ الحب بيننا وليدا ثم كبر، العاطفة وحدها هي التي تحكمه. - مثل هذا الحب يكون حبا مخيفا لا يعرف واحد منا عواقبه، أنا كنت أراقبك في كل مراحل حياتك منذ بدأت أعي وتذكرت وأنا عاقلة ما كنت تصنعه ونحن أطفال و... و... وأحببتك، وأعلم أنك صنعت معي نفس هذا الصنيع. - أنا أحببتك؟ - ودرستني كما درستك، لست أنسى ونحن أطفال يوم قذف سيد المدبولي الكرة بقدمه فكسرت زجاج بيت جميل بك، فتقدمت أنت إلى البواب وقلت له إنك أنت الذي كسرت الزجاج وإنك ستدفع ثمنه؛ لأنك تعلم أن والد سيد المدبولي سيضربه وأنه لا يطيق أن يدفع ثمن الزجاج. - ياه أما زلت تتذكرين هذه الحكاية البسيطة؟ - ربما كانت بسيطة لو صنعتها الآن، أما ونحن أطفال فهي ليست بسيطة. - وأنا لا أنسى حين نزلت من قطار المعادي ولم تكوني تعرفين أنني فيه، ولا كنت أدري أنا أنك معي في القطار، وتقدم منك فكري يريد أن يحمل كتبك ويسير معك حتى البيت، فإذا أنت ترفضين وتتركينه يمضي. - أكنت وراءنا؟ - تخفيت عنكما ورحت أرقبه وهو يمضي، ورأيتك أنت تتمشين على الرصيف فترة، ثم تأخذين وجهتك إلى البيت، أدركت أنك قلت له إنك لن تذهبي إلى البيت حتى لا تخجليه، وفي نفس الوقت رفضت أن تسيري معه وحدكما. - وأشياء كثيرة رأيتك فيها إنسانا ورجلا، لم تحاول أن تحقق ذاتك بشعارات وإنما حققت ذاتك بالدراسة، ولك آراؤك الوطنية ولك إيمانك الديني، لم تحاول أن تتطرف أو تتظاهر بالعلم أو بالبطولة وتتكلم، فأعلم أنك تقرأ كثيرا دون أن تدل على الناس أو على أصدقائك بأنك تقرأ. - وأنت ألا تفعلين هذا؟ - وأعرف أنك تعرف. - ويصدق علينا قول الشاعر:
فلم تك تصلح إلا له
ولم يك يصلح إلا لها - وشعر أيضا؟ - بيت واحد من نفسي. - نعود إلى البيت. - أمرك. •••
مر يومان على هذا الحديث، وكان مساء جلس سويلم فيه ونعمات يشاهدان التليفزيون ومعهما مجدي صامتا، وفجأة قال لأبيه: ما رأيك يا أبي في وظيفة معروضة علي بالسكة الحديد؟
अज्ञात पृष्ठ