البحث السابع في أنه تعالى يستحيل رؤيته وخالفت الأشاعرة كافة العقلاء في هذه المسألة حيث حكموا بأن الله تعالى يرى للبشر أما الفلاسفة والمعتزلة والإمامية فإنكارهم لرؤيته ظاهر لا يشك فيه وأما المشبهة والمجسمة فإنهم إنما جوزوا رؤيته تعالى لأنه عندهم جسم وهو مقابل للرائي فلهذا خالفت الأشاعرة باقي العقلاء وخالفوا الضرورة أيضا فإن الضرورة قاضية بأن ما ليس بجسم ولا حال في الجسم ولا في جهة ولا مكان ولا حيز ولا يكون مقابلا ولا في حكم المقابل فإنه لا يمكن رؤيته ومن كابر في ذلك فقد أنكر الحكم الضروري وكان في ارتكاب هذه المقابلة سوفسطائيا. وخالفوا أيضا آيات الكتاب العزيز الدالة على امتناع رؤيته تعالى قال عز من قائل لا تدركه الأبصار تمدح بذلك لأنه ذكره بين مدحين فيكون مدحا لقبح إدخال ما لا يتعلق بالمدح بين مدحين فإنه لا يحسن أن يقال فلان عالم فاضل يأكل الخبز زاهد ورع وإذا مدح بنفي الإبصار له كان ثبوته له نقصا والنقص عليه تعالى محال وقال تعالى في حق موسى لن تراني ولن للنفي المؤبد وإذا امتنعت الرؤية في حق موسى ع ففي حق غيره أولى وقال تعالى فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعق بظلمهم ولو جازت رؤيته لم يستحقوا الذم ولم يوصفوا بالظلم وإذا كانت الضرورة قاضية بحكم ودل محكم القرآن أيضا عليه فقد توافق العقل والنقل على هذا الحكم وقالوا بخلافه وأنكروا ما دلت الضرورة عليه وما قاد القرآن إليه ومن خالف الضرورة والقرآن كيف لا يخالف العلم النظري والأخبار وكيف يجوز تقليده والاعتماد عليه والمصير إلى أقواله وجعله إماما يقتدون به وهل يكون أعمى قلبا ممن يعتقد ذلك وأي ضرورة تقود الإنسان إلى تقليد هؤلاء الذين لم يصدر عنهم شي ء من الكرامات ولا ظهر عنهم ملازمة التقوى والانقاد إلى ما دلت الضرورة عليه ونطقت به الآيات القرآنية بل اعتمدوا مخالفة نص الكتاب وارتكاب ضد ما دلت الضرورة عليه ولو جاز ترك إرشاد المقلدين ومنعهم من ارتكاب الخطإ الذي ارتكبه مشايخهم إن أنصفوا لم نطول الكلام بنقل مثل هذه الطامات بسل أوجب الله تعالى علينا إهداء العامة بقوله تعالى ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها
نهج الحق ص : 49المسألة الثانية في النظر وفي المسألة مباحث
البحث الأول في أن النظر الصحيح يستلزم العلم
الضرورة قاضية بأن كل من عرف بأن الواحد نصف الاثنين وأن الاثنين نصف الأربعة فإنه يعلم أن الواحد نصف نصف الأربعة وهذا الحكم لا يمكن الشك فيه ولا يجوز تخلفه عن المقدمتين السابقتين وأنه لا يحصل من تلك المقدمتين أن العالم حادث ولا أن النفس جوهر أو أن الحاصل أولا أولى من حصول هذين. وخالفت الأشاعرة كافة العقلاء في ذلك فلم يوجبوا حصول العلم عند حصول المقدمتين وجعلوا حصول العلم عقيب المقدمتين اتفاقيا يمكن أن يحصل وأن لا يحصل ولا فرق بين حصول العلم بأن الواحد نصف نصف الأربعة عقيب قولنا الواحد نصف الاثنين نهج الحق ص : 50و الاثنان نصف الأربعة وبين حصول العلم بأن العالم محدث أو أن النفس جوهر أو أن الإنسان حيوان أو أن العدل حسن عقيب قولنا إن الواحد نصف الاثنين والاثنان نصف الأربعة. وأي عاقل يرتضي لنفسه اعتقاد أن من علم أن الواحد نصف الاثنين وأن الاثنين نصف اأربعة يحصل له علم أن العالم محدث وأن من علم أن العالم متغير وكل متغير محدث يحصل له العلم بأن الواحد نصف نصف الأربعة وأن زيدا يأكل ولا يحصل له العلم بأن العالم محدث وهل هذا إلا عين السفسطة
पृष्ठ 16