شهرًا فأكمل له اثني عشر، فقال إن يكن منكم عشرون فدفع إليه عشرين، فقال يغلبوا مائتين فأمر برفع الطبق إليه وقال كل يا ابن الفاعلة لا أشبع الله بطنك، فقال والله لو لم تفعل ذلك لقرأت لك وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون.
حكاية: قيل إن الهادي العباسي كان مغرمًا بجارية تسمى غادر وكانت من أحسن الناس وجهًا وأكثرهن أدبًا وألطفهن طبعًا وأطيبهن غناء، فبينما هي تنادمه ذات ليلة وتغنيه إذ تغير لونه وظهر أثر الحزن عليه، فقالت ما بال أمير المؤمنين لا أراه الله ما يكره؟ فقال وقع في فكري الساعة أني أموت وإن أخي هارون يلي الخلافة بعدي وإنك تكونين معه كما أنت معي الآن، فقالت لا أبقاني الله بعدك أبدًا وأخذت تلاطفه وتزيل هذا الخيال من خاطره، فقال لابد أن تحلفي لي أيمانًا مغلظة أن لا تقربي إليه بعدي فحلفت على ذلك وأخذ عليها العهود والمواثيق الغليظة، ثم خرج وأرسل إلى أخيه هارون وحلفه أن لا يخلو بغادر بعده وأخذ عليه من المواثيق والعهود ما أخذ عليها، فلم يمض إلا شهر حتى مات الهادي وانتقلت الخلافة إلى هارون فطلب الجارية فحضرت فأمرها بالأخذ في المنادمة، فقالت
وكيف يصنع أمير المؤمنين بتلك الأيمان والعهود، فقال قد كفرت عنك وعن نفسي، ثم خلا بها ووقعت من قلبه موقعًا عظيمًا بحيث لم يكن يصبر ساعة عنها. فبينما هي ذات ليلة نائمة في حجره إذ استيقظت مذعورة، فقال ما بالك فدتك نفسي؟ قالت رأيت أخاك ينشد هذه الأبيات:
أخلفت عهدي بعدما ... جاورت سكان المقابر
ونسيتني وحنثت في ... أيمانك الزور الفواجر
ونحكت غادرة أخي ... صدق الذي سماك غادر
لا يهنك الألف الحد ... يد ولا تدر عنك الدوائر
ولحقتني قبل الصبا ... ح وصرت حيث غدوت صائر
وأظن أني لاحقة به في هذه الليلة فقال فدتك نفسي إنما هذه أضغاث أحلام فقالت كلا، ثم ارتعدت واضطربت بين يديه حتى ماتت، أقول لقد صدق القائل كل له من اسمه نصيب، وأما نقض العهود وعدم المروءة والوفاء فمن شأن أكثر النساء ولله در القائل:
إن النساء شياطين خلقن لنا ... نعوذ بالله من شرّ الشيطان
1 / 23