ومع ذلك يقولون إنه لا يعلم تأويل المتشابه إلا الله، مع ما يقومون به من التأويل للآيات التي تناقض مذهبهم؛ فهم يكذبون أنفسهم بأنفسهم،ويناقضون أقوالهم، وهكذا الباطل يفعل بأهله.
وهم في الواقع بمذهبهم هذا يقلبون الحقائق فيجعلون المتشابه محكما والمحكم متشابها، ويفسرون المحكم بغير ظاهره، ويأتون إلى المتشابه ويفسرونه على ما يزعمون أنه ظاهره.
وهذه هي الفائدة عندهم من القول بعدم التأويل، وإن كانوا في الحقيقة كما بينا يتأولون؛ لأنه لا أحد إلا وتراه يتأول لأنه لا يمكن لمسلم حمل كل القرآن على ظاهره لأدائه إلى التناقض، فلا بد من التأويل.
والواقع أنهم يتأولون حتى الآيات المتشابهة التي يقولون إنهم لا يتأولونها ويبقونها على ظاهرها، ولكن يتأولونها بتأويلات متعسفة لا تقبلها اللغة ولا يقبلها العقل، بسبب المكابرة والإصرار على مذاهبهم، ويلتزمون بذلك تشبيه الله وتجسيمه حفاظا على مذاهبهم.
فيرفضون التأويلات الصحيحة التي تقبلها اللغة ويقولون بالتأويلات الباطلة؛ فيرفضون تأويل الاستواء بالاستيلاء والعرش بالملك، ويأتون بتأويل لا تقبله لغة ولا عقل فيقولون: الله على العرش بدون استقرار؛ وهذا تأويل غير عربي لأنهم إذا حملوا الآية على الحقيقة فالمعنى العربي أنه جالس مستقر على العرش.
पृष्ठ 74