وكان مدير المعمل راضيا عنها لما رآه من اجتهادها، أما هي فقد أبت الأقدار إلا أن تبلوها بنكبة جديدة؛ إذ شعرت أنها حامل من زوجها بوفور فكبر عليها الأمر في البدء؛ إذ كيف تستطيع أن تقوم بأودها وأود طفلين وهي على ما هي فيه من الفاقة.
ثم لم يلبث هذا الهم أن تبدد فكانت تشعر بسرور عظيم حين تفتكر أنها ستضم بين ذراعيها ولد ذلك الزوج الذي تحبه حبا خالدا في قلبها، فيكون ذلك الطفل خير تذكار من خير زوج، فإن المولود الأول كان ابن الجريمة، ولكن الثاني هو ابن بوفور.
وقد كثر انشغالها بهذا الحادث الجديد، حتى لم تعد ترى ما يجري حولها؛ فإن الموسيو فلون رئيس العمال الذي يقيم معها في البيت وفي المعمل كان يحبها وهي لا تعلم؛ إذ لم تبدر منه بادرة تدل على شيء من هذا الحب.
غير أنها لو كانت على غير ما هي فيه لقرأت في عينيه ذلك الحب الذي يتأجج في صدره.
غير أن امرأة فولون كانت ترى تلك النظرات فيخامرها الشك بمرسلين.
وقد قالت لزوجها يوما: ألم تلاحظ شيئا على هذه الأرملة؟ - كلا، فماذا تلاحظين؟ - إن أمرها لا يخفى إلا على العميان، ولم يبق ما يحمل على الريب. - إني لا أفهم ما تقولين فإن الظواهر تغش أحيانا.
فقالت له ما يخالج فكرها وسمعها، وهو مطرق الرأس، والعرق يتصبب من جبينه.
وفي اليوم التالي راقبها عند ذهابها إلى المعمل؛ فقال في نفسه: لقد صدقت امرأتي فيما قالته، وبعد فما هذا الاستياء الذي يتولاني؟ وأي سلطان لي على هذه المرأة؟ أما هي حرة في أعمالها.
وفي اليوم نفسه استوقفها المدير في أحد أروقة المعمل، وقال لها بلهجة القسوة والاحتقار: لقد أنبأتك يا مدام لونجون يوم دخولك إلى المعمل أننا لا نقبل فيه غير الطاهرات من النساء، وقد أقلتك من الخدمة فلم يبق لك عمل عندنا من اليوم.
فشمخت بأنفها مستكبرة، ولكنها ما لبثت أن أطرقت برأسها؛ فإن حالتها كانت ظاهرة للعيان يستشهد بها كل محب للنمائم، وهي لا تستطيع الدفاع عن نفسها إلا بأمر واحد؛ وهو أن تذكر اسم زوجها، ولكن هذا محال، ففضلت الخجل والعار وخرجت من ذلك المعمل للدنيا لا تكاد تسعها لبأسها، فكان أول من لقيته فولون رئيس العمال.
अज्ञात पृष्ठ