وفي الليل سارت وإياه إلى منزل أمه، فأعدت لها غرفة وباتت فيها وهي تناجي زوجها فتقول: أتغفر لي يا بيير؟ ثم تناجي ولدها فتقول: جيرار، إنك عزائي الوحيد في هذا الوجود.
القسم الثاني
الميتة الحية
لم يكد يفتح المعمل أبوابه في مدينة كليشي من أعمال فرنسا، حتى دخلت امرأة إلى مديره تلتمس عملا.
كانت هذه المرأة في ريعان الشباب، وعليها ملامح الحزن الشديد، وهي لابسة ملابس السواد، فسألها المدير قائلا: من أين أتيت، وأين كنت تشتغلين؟ - إني قادمة من أرنواصي، وأنا أرملة لم يبق لي مورد إلا من العمل، وأنا لم أشتغل قبل، ولكني كثيرة التجلد على مشاق الأعمال. - لا يكفي التجلد وحده، بل يجب أن يكون لك قوة على العمل، فكيف تشتغلين بهاتين اليدين المترفتين؟! - بالله لا تصدني يا سيدي، وجرب عملي فإني لا أطلب من الأجرة إلا ما يقيني من الجوع. - ماذا تدعين؟
فترددت قليلا ثم قالت: مرسلين لونجون. - إذن سأشغلك في مكتب الإدارة لا في المعمل؛ فإن الشغل فيه يغنيك، وأنت تحسنين الكتابة لا شك، فسأشغلك بتبييض المكاتيب. - أشكرك يا سيدي؛ فإنه عمل سهل علي. - إذن ستبدئين العمل منذ الغد، فابحثي اليوم عن غرفة في الضواحي؛ لأن راتبك سيكون ستين فرنكا فقط؛ لأن هذا آخر ما أستطيع أن أعينه الآن. - وإني سأحفظ جميلك فلا أنساه مدى الحياة. - بقي أن أقول لك كلمة، وهي أن أخص ما نتطلبه من العاملات عندنا الحرص على الطهارة وحسن السلوك.
فأطرقت برأسها وتورد خدها من الخجل؛ ثم سالت الدموع من عينها، فقال لها برفق: أسألك المعذرة عما قلته، فلم أقله لشيء من الريبة، ولكن قوانين المعمل تقضي علي بإبداء هذا التنبيه لكل عاملة عند بدء العمل فيه.
فتمتمت بضع كلمات شكر وانصرفت، فبحثت كل يومها عن منزل تقيم فيه، حتى اهتدت إلى منزل عجوز فاستأجرت غرفة عندها، وفي اليوم التالي ذهبت مبكرة إلى المعمل وبدأت عملها فيه.
وقد اتفق أن رئيس عمال ذلك المعمل كان مقيما مع امرأته عند تلك العجوز، فكانت تراه كل يوم في المعمل وفي البيت. •••
ولقد عرف القراء أن هذه المنكودة كانت مرسلين نفسها، فمر بها شهران وهي لا تفتكر إلا بزوجها وولدها، فكانت تشتري الجرائد كل يوم علها تقف على شيء من أخبار زوجها، فقرأت فيها أنهم لا يزالون يبحثون عنها، ثم انقطعت تلك الأخبار فانقطعت هي عن شراء الجرائد.
अज्ञात पृष्ठ