عاقه الكسل والدعة عنها لم يجد من اعتناق صناعة المغالط محيصا ومن هذا بحث عن المغالطة هذا ما قاله الشيخ في آخر كتاب المنطق من الشفاء ولهذا السبب صار البحث عن فن المغالطة جزءا من أجزاء المنطق الثانية..
وكتب ابن سينا لا تني من جهة إشادة بأرسطو وكتبه وتنويها بالمشائين وآرائهم في المنطق والفلسفة حتى إذا ذكرهم في الشفاء وغيره قال أصحابنا " المشاؤون " ولا تخلو كتب الشيخ من جهة أخرى عن غمز أفلاطون وسقراط وأشياع الفلسفة القديمة أو الاشراقية وهو يميل فيها إلى تنزيه أرسطو عن النقص والخطأ في صناعة المنطق ولذلك يقول في آخر منطق الشفاء " أنظروا معاشر المتعلمين هلى أتى بعده أحد زاد عليه أو أظهر فيه قصورا مع طول المدة وبعد العهد بل كان ما ذكره هو التام الكامل والميزان الصحيح والحق الصريح " ولم يحجم بعد ذلك عن غمز أفلاطون وسقراط فقال " وأما أفلاطون الإلهي فإن كانت بضاعته من الحكمة ما وصل إلينا من كتبه وكلامه فلقد كانت بضاعته في العلم مزجاة " وناقش مذهبه في المثل الأفلاطونية فقال في بحثه عن المثل المذكورة " كان المعروف بإفلاطون ومعلمه سقراط يفرطان في هذا القول " وفي قوله المعروف بإفلاطون ما فيه من غميزة أما كتب الفرقة الأخرى فإنها حافلة كذلك بمناقشة المشائين والرد عليهم.
ترسل الشيخ في المباحثات:
ويلاحظ أن أسلوب الشيخ في رسائله المدرجة في المباحثات أسلوب أدبي بليغ يضاهي أساليب بلغاء المترسلين في عصره وما إليه وهم كثيرون ولهم في النثر أساليب خاصة معروفة. وتبدو لنا الفروق بعيدة إذا قارنا بين أسلوب الشيخ في رسائله الإخوانية في المباحثات وغيرها وأساليبه الأخرى المألوفة في أسفاره الفلسفية الكبرى حيث يغلب عليها جفاف الأساليب العلمية البحتة.
ويبدو لنا الشيخ أيضا رقيق الحاشية جم الأدب في مخاطبة أصحابه وتشهد هذه المراسلات شهادة قاطعة بوجود رابطة أكيدة وصلات وثيقة وإخلاص متناه بين الجانبين. هذا وقد اضطر الشيخ خلال مناقشة معارضيه إلى استخدام بعض العبارات الجافية التي لا تليق بأمثاله ويلاحظ أنه كان مع هذا سديد المنطق قوي الحجة ولذلك أسباب تقدمت إليها الإشارة.
كانت للأدب دولة راقية في عصر السامانيين كما تشهد بذلك مؤلفات الثعالبي وفي مقدمتها يتيمة الدهر وذيولها في هذا العصر حيث كثر عدد الشعراء و المترسلين والأدباء النابهين في خوارزم والري وأصفهان ونيسابور وما وراء النهر وكثير منهم من معاصري ابن سينا بيد أننا لم نجد للشيخ ذكرا في تلك الدواوين والأسفار الأدبية وهو أمر يدل على أن صلة الشيخ برجال الأدب لم تكن وثيقة وقلما اتصل به غير رجال الفكر والفلسفة. عني مؤرخو ابن سينا بشتى نواحي حياته ويلاحظ أنهم أغفلوا من بين ذلك ناحية لها خطرها في تاريخ الناس وهي ناحية الخلف والذرية فلم يذكر لابن سينا ولد أو نسل كأنما وجد بكتبه وأسفاره وبنات أفكاره بديلا عن ذلك ولم يخرج ابن سينا في هذا الشأن عن كثير من الأعاظم الذين لا يعرف لهم نسل ولا تذكر لهم ذرية ترسم خطاهم وتنسج على منوالهم سنة الله في بعض خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلا وهذه ناحية تستحق التوسع في البحث والدراسة.
وقال الأستاذ قدري طوقان:
أثر ابن سينا في الغرب لقد سحرت عبقرية ابن سينا المستشرقين والعلماء في الشرق والغرب على السواء فلقبه بعضهم بأرسطو الإسلام وابقراطه، وجعله (دانتي) بين أبقراط وجالينوس. وقال (دي بور) "... وكان ابن سينا أسبق كتاب المختصرات الجامعة في العالم... " ويرى فيه مثلا للرجل الواسع الاطلاع والمترجم الصادق عن روح عصره. وإلى هذا يرجع تأثيره العظيم وشأنه في التاريخ. كما كان يرى (مونك) في ابن سينا أنه من أهل العبقرية الفذة ومن الكتاب المنتجين. أما (اوبرفيك - Ueberweg) فيقول أن ابن سينا اشتهر في العصور الوسطى وتردد اسمه على كل شفة ولسان " ولقد كانت قيمته قيمة مفكر ملأ عصره. وكان من أكابر عظماء الإنسانية على الاطلاق.. ".
ولقد أجمع علماء الشرق والغرب على تقدير ابن سينا وتمجيده، واستقوا من رشح عبقريته وفيض نتاجه فكان من الذين ساهموا مساهمة فعالة في تقدم العلوم الطبيعية والفلسفية والنفسية.
وقد ظلت الفلسفة الأرسطية المصطبغة بمذهب الأفلاطونية الحديثة معروفة عند الشرقيين في الصورة التي عرضها فيها ابن سينا. وكثيرا ما اعتمد (باكون Bacon) في توضيح آراء أرسطو على ابن سينا.
وبقيت كتب ابن سينا في الفلسفة والطب تدرس في الجامعات في أوروبا إلى القرن السابع عشر للميلاد. ويقول (دى پور) " وكان تأثير ابن سينا في الفلسفة المسيحية في العصور الوسطى عظيم الشأن. واعتبر في المقام كأرسطو... ".
وتأثر به إسكندر الهالي الإنكليزي وتوماس اليوركي الإنكليزي أيضا. وتأثر بابن سينا كذلك كبار فلاسفة العصور الوسطى أمثال البرت الكبير والقديس توما الأكويني، فقد قلدوه في التاليف وتبنوا بعض نظرياته وآرائه. وقال سارطون " إن فكر ابن سينا يمثل قمة الفلسفة في القرون الوسطى ".
ومما يدل على ميله إلى التجدد والتحرر قوله "... حسبنا ما كتب من شروح لمذاهب القدماء. وقد آن لنا أن نضع فلسفة خاصة بنا... ".
السيد حسين القزويني الحائري ابن السيد محمد باقر ولد سنة 1288 في كربلا وتوفي فيها سنة 1367.
وآل القزويني الذين ينتمي إليهم هم غير الأسرة القزوينية الشهيرة التي استوطنت النجف والحلة وطويريج وغيرها من مدن الفرات الأوسط.
هاجر الجد الثاني للمترجم السيد باقر من مدينة كرمنشاه - بعد أن كان انتقل إليها من قزوين - إلى النجف سنة 1185 لطلب العلم ثم استقر فيها، ثم انتقل مع ولديه إبراهيم ومهدي إلى كربلا واستوطنوها.
بدأ المترجم دراسته في كربلا على أبيه وغيره ثم ذهب إلى النجف فدرس على الشيخ محمد كاظم الخراساني والشيخ آقا ضياء الدين العراقي والسيد أحمد القزويني والسيد أبو الحسن الأصفهاني والشيخ حسين النائيني والشيخ محمد تقي الشيرازي.
وكان من المعاونين للأخير تدبير أمور الثورة العراقية ومن أعضاء المجلس
पृष्ठ 35