मुश्किलात माका ग़ुरबा
مشكلات مع الغرباء: دراسة في فلسفة الأخلاق
शैलियों
لكن يحذر كانط في عمله «نقد العقل الخالص» من أنه لا شيء أكثر استحقاقا للوم من السعي لاستخلاص القوانين التي تحدد ما يجب أن يكون مما هو قائم بالفعل، ففي نظام اجتماعي يتميز بالفردية الأنانية لا شك أن هذا حذر حكيم. إن هلع كانط من التجريبية هو تعليق ضمني، من بين أشياء أخرى، على محيطه الاجتماعي، فإن حاول الفرد استخلاص القيم من الحقائق في هذا السياق فقد ينتهي به الحال بالقيم الأقل استساغة، فالقيم يجب أن تفصل عن العالم - حيث إنها أبعد ما يكون عن الوصف المجرد له - لأسباب منها (في المجتمع عامة إن لم يكن عند كانط خاصة) أن تتمكن من تقنينه.
لم يكن كانط بكل تأكيد ليبني على الأرضية غير المتماسكة للنظرية الأخلاقية البريطانية، رغم أنه تأثر كثيرا بفكرة شافتسبري القائلة إن المبادئ الأخلاقية الأساسية لا يمكن أن تكون مسألة تعتمد على التفضيلات الذاتية، بل يجب أن تكون ملزمة على نحو عام؛ إذ يؤمن كانط، شأنه شأن شافتسبري، بأن الأخلاق تتضمن المشاعر، والتي هي في رأيه الاحترام والغضب والحصافة والتضجر والتقدير والندم وما شابه، فنحن لدينا القدرة على الشعور بالسرور لتحقيق واجبنا الأخلاقي. في واقع الأمر، إن هذا الإحساس بالرضا مشروع ومرغوب معا لكن هذه العواطف لا يمكن أن تمثل دافعا لأفعالنا. وقد اعتقد هيجل نفس الشيء؛ فالرغبة لا يمكن أن تكون عاملا في فعل الصواب، بل إن ما نشعر به في هذه الظروف هو الألم قبل كل شيء؛ فالقانون الأخلاقي يعترض بصرامة على ميولنا الطبيعية، وهذه طريقة أدركنا بها وجوده الجليل. كما يفسح كانط بعض المساحة في فكره الأخلاقي للسعادة؛ لكن رغم أن السعادة هي جزاء الفضيلة في الحياة الآخرة - إن لم يكن في الحياة الدنيا في أغلب الأحيان - فلا يمكنها أن تكون الدافع المحرك نحوها. فالسعادة ما هي إلا فكرة تجريبية وليست قيمة مثالية عند العقل، وهي لا تقوم على مبادئ؛ فعلى الفرد أن يكافح من أجل الرضا العام؛ لكن الرضا الذي يرتبط ويتسق مع أطهر المبادئ الأخلاقية، فهو لا يؤمن بأن المبادئ الأخلاقية يمكن أن تنبني على الإحساس أو العاطفة أو السعي نحو الرفاهة؛ فالحواس لا تتيح لنا الوصول إلى حقيقة أنفسنا ولا إلى جوهر الأشياء برغم ما قد يزعمه أنصار مذهب الخير عن الاتحاد البدهي بين روحين من أصل واحد. فالإحساس ليس أساسا للمعرفة الذاتية، فالكائن الأخلاقي ينتمي لعالم المعقول لا عالم المحسوس؛ إذ يجب علينا ألا نضع مبدأ السعادة في الاعتبار عندما يتعلق الأمر بالواجب؛ فحس الفضيلة يجب حتما أن يكون أكثر من التشوق للرضا. فعلى الإنسان أن يتصرف تبعا لمبدأ وليس ما يسميه كانط باحتقار «التعاطف المؤثر». وهو في هذا يختلف مع تيودور أدورنو الذي يكتب أن «الأساس الحقيقي للأخلاق موجود في الشعور الجسدي، في التماهي مع الألم الذي لا يحتمل.»
7
بل إن كانط بلغ به الأمر أن رفض هذا الجهد البريطاني في الفكر الأخلاقي باعتباره محاولة فاشلة لاستخلاص مفهوم الفضيلة من التجربة؛ فالتجربة عنده كما هي عند سبينوزا أساس أكثر تغيرا واحتمالية من أن يبنى عليها الحكم الأخلاقي، تماما مثلما أنها أساس هش في ذاته لمعرفة الحقيقة بموضوعية، فهي كما يقول كانط «شيء بشع ملتبس» تعارض كل صيغة منتظمة. فالإحساس مرشد لا يعتمد عليه إطلاقا، والأخلاق أسمى من الطبيعة ولا يمكن أن يكون مصدرها الجسم أو أحواله التجريبية، فالمشاعر والنزعات والميول لا يمكن أن توصلنا إلى أي مبادئ موضوعية. يشير كانط باستخفاف - ويقصد هتشسون - في عمله «أسس ميتافيزيقا الأخلاق» إلى «حس مزروع» أو «حاسة خاصة مفترضة» ساخرا من أن «هؤلاء الذين لا يمكنهم «التفكير» يظنون أنهم يمكنهم مساعدة أنفسهم بالشعور.»
8
ويصر، وهو يقصد نفس المذهب الأخلاقي، على أن المحاكاة لا مكان لها إطلاقا في قضايا الأخلاق.
إلا أنه يقر بأن نظرية الحس الأخلاقي، وإن كانت مضللة، فهي تولي الحياة الأخلاقية احتراما يليق بها، فكأن هؤلاء الفلاسفة طيبي القلب - وإن كانوا مضللي الفكر - يشعرون في حضور الآخرين بالسرور والتقدير اللذين ينبغي عند كانط ادخارهما للقانون الأخلاقي عامة. إذا فهذه العواطف ليست غير لائقة بقدر ما هي في غير محلها. ويقر بأن هناك أرواحا «في غاية التعاطف والانسجام لدرجة أنها، بلا أي دافع من الكبر أو المصلحة الشخصية، تشعر بالرضا الداخلي في نشر السرور من حولها وتسعد برضا الآخرين طالما أنه من عملها.»
9
إلا أن مثل هذا التعاطف في نظر كانط لا يمت للأخلاق بصلة، شأنه شأن اشتهاء رشفة من خمر؛ فالأفعال التي تؤدى في سبيل القانون هي وحدها التي يمكن اعتبارها أخلاقية؛ فالإنسان عليه أن يكون خيرا بدافع الواجب لا التعاطف؛ إذ يجب الامتناع عن فعل الأشياء فقط لأنك تريد فعلها، ويخبرنا بأن الاحتياجات والنزعات لها «سعر سوقي» لكن ما هو ثمين في ذاته لا يقدر بثمن.
ابتكر ألكسندر بومجارتن في منتصف القرن الثامن عشر علما جديدا غريبا يسمى علم الجمال، كان الهدف منه بلورة حياتنا الحسية وتنظيمها واختزال عالمنا الجسدي إلى نظام شبه قانوني نوعا ما؛ فالحواس - التي نبذتها في فظاظة بعض مدارس العقل التنويري - أخذت تتسلل من جديد من الباب الخلفي متنكرة في صورة علم للإدراك. لكن هذه الدراسة المنهجية لحياتنا الحسية لا يمكنها أن تفضي بنا إلى العالم الأخلاقي؛ فطيبة القلب ليست قضية أخلاقية شأنها في ذلك شأن مفهوم التثليث. وكتب كانط في «نقد العقل العملي»: «إنه لشيء جميل أن نفعل الخير للناس بدافع حبهم وبدافع حسن النية المتعاطفة، أو بدافع من حب النظام، لكن ليست هذه هي القاعدة الأخلاقية الحقة.»
अज्ञात पृष्ठ