63

मुश्किलात माका ग़ुरबा

مشكلات مع الغرباء: دراسة في فلسفة الأخلاق

शैलियों

4

فالقانون في العصور الحديثة - باعتباره منبر القضاء الذي نقف أمامه سواسية - عدو الامتيازات، وهي كلمة تعني «القانون الخاص». كذلك ولأن القانون والعقل والنظام الرمزي يتجاوزون المصالح والرغبات الشخصية، فمن الممكن أن يقدموا نقدا لها، وهو ما لا ينطبق على النظام الخيالي؛ إذ يمكننا مثلا أن نسأل عما إذا كانت رغبة معينة منطقية أم لا، وهو سؤال لم يكن ليحظى بشرعية عند هوبز أو هيوم أكبر من عند جيل دولوز.

ولأن القانون يجب أن يكون وسيطا بين أفراد كثيرين، وكل منهم له مصالحه ورغباته الخاصة، فعليه أن يتحلى بفضيلة التحفظ مستهدفا أن يقول أقل ما يمكن. فأولئك الساعون للالتزام به يغرقون من ثم في توتر عصبي بشأن ما إذا كانوا يلتزمون به أم لا، وكيف يعرفون ذلك على أي حال، وما إذا كان هذا تصورا منطقيا من الأساس أم لا؛ فالقانون إن صح التعبير يشمل تحت مظلته الكثير من الرجال والنساء لذلك يجب أن يكون محتواه عاما، فكلما قل محتواه تحديدا، زادت قدرته على تحقيق هدفه. ومن هذا المنطلق تشبه القوانين الأخلاقية القوانين الفيزيائية التي ما هي إلا علاقات رياضية يمكن التعبير عنها بقدر قليل من المعلومات.

5

فلكي يمثل القانون أساسا للوحدة الإنسانية يجب أن يتغاضى على نحو منهجي عن اختلافاتنا؛ فنحن - عند الأرسطيين والتوماويين - نتمتع بطبيعة عقلانية مشتركة، لكن هذه الطبيعة عند أنصار مذهب الخير تقلصت إلى مجموعة من المشاعر التي نتشاركها، الخالية من أي أساس عقلي. أما عند الكانطيين، فقد زاد تقلص النطاق الإنساني المشترك إلى مجموعة من الإجراءات الشكلية المشتركة، بينما لا يرى بعض الحداثيين وما بعد الحداثيين سوى الاختلاف بين البشر.

ولكي يكون من الممكن وجود جماعة من الأفراد في مجتمع ممزق فيجب أن يتجرد القانون عن أي شيء يخص من هم تحت حكمه. وميزة ذلك أن القانون لا يستجيب لهؤلاء الذين يسعون لتأكيد سلطتهم واستغلالها؛ لكن الخطورة هي أن يئول الحال إلى تكوين مجموعة كبيرة من الرموز الكودية، فيبدو الأمر وكأنما يجب محو الناس واستنساخهم إن أردنا أن تتحقق المساواة والعمومية فعلا، فكل فرد يعد فريدا ومستقلا؛ ولكن لأن جميع الأفراد يثنى عليهم بهذه الصورة دون تمييز، فإن هذه القيمة تظل على شفا مناقضة ذاتها، فالكل سواسية؛ لكن ذلك كما سيبدو ليس إلا لأنهم اختزلوا في خيالات مآتة مفرغة من مضمونها.

مع ذلك فإن مفهوم القانون هذا وسيلة عبقرية لتحقيق العمومية في وقت تتعثر فيه الوسائل التقليدية لتحقيق ذلك - كفكرة الطبيعة البشرية المشتركة على سبيل المثال - لأسباب ليس أقلها الرحالة المتحدثون عن التنوع الإنساني، إلا أن هذا يعني أننا الآن بحاجة للتفكير والتعقل من أجل وضع الآخرين في الاعتبار، فقد ضاعت سمة العفوية أو اللامبالاة البرجوازية المبكرة بلا رجعة. ومع دخول الطبقة البرجوازية في أوروبا لعصر تراكم رأس المال الصناعي، بما فيه من العمال المجهولين والمنافسين غير المعروفين والصراعات الطبقية المحتدة، تراجعت فكرة النبل لتفسح المجال أمام ساحة القضاء أو السياسة باعتبارها نموذجا للخطاب الأخلاقي.

هذا هو القانون الأخلاقي الشهير لإيمانويل كانط، الذي يخضع له كل الناس بنفس الصورة، والذي يتمتع بقوة الأمر الإلهي الكاملة بينما يظل شأنا دنيويا خالصا، فهذا القانون، مثل الرب، من المسلمات؛ فلا يمكن اختزاله إلى أي مبدأ أكثر أولية وهو لا يخضع للتفسير المنطقي. فنحن لا نكون أفرادا عند لاكان، كما رأينا، إلا تحت حكم قانون يحقق التكامل بين وجودنا ووجود الآخرين. وبينما نتجه إلى دواخل النفس إن جاز التعبير في النظام الخيالي، فالآن يلتفت كل منا إلى الخارج باتجاه سلطة تربطنا جميعا معا بهويات مجهولة. يرى كانط أن الفرد لا يكون إنسانا حقا - حرا وعقلانيا ومستقلا - إلا بالخضوع لسيادة قانون ينظم ويوفق بين أهداف الفرد وأهداف الكائنات الحرة العاقلة الأخرى. والفرق بين الفيلسوفين في هذا الصدد هو أن كانط يرى أن هذه الحرية موجودة على النطاق الباطن، في مستوى حدسي لا يمكن للعقل الواعي الوصول إليه، بينما يرى لاكان أننا في هذا النطاق الباطن أو اللاواعي نتمتع بأقل قدر من الحرية. لكن أيا كان الاختلاف فإننا دخلنا إلى منطقة نعرف فورا أنها حديثة؛ ثقافة العلاقات العقدية والمصلحة الذاتية المستنيرة والقواعد الأخلاقية والقوانين العادلة وتعظيم المنفعة واحترام استقلال الآخرين والمعايير التوافقية والإجراءات المنطقية، فهو نظام بعيد كل البعد عن الآنية الحسية للنظام الخيالي؛ لكنه كذلك - كما سنرى لاحقا - هو عين ما يدافع عن أكثر منظومة أخلاقية يرفضها النظام الواقعي.

لقد عبر كانط في أوائل حياته العملية عن إعجابه بطريقة البحث الأخلاقي عند شافتسبري وهتشسون وهيوم واصفا هذه الرؤية الأخلاقية بأنها «أفضل اكتشافات عصرنا». إن ما أبهره في هؤلاء الفلاسفة الأخلاقيين (وهي مفارقة كبيرة بالنظر إلى رفضه لاحقا للأخلاق الأنثروبولوجية) هو انشغالهم بما يحدث وليس بما يجب حدوثه ؛ أي إنهم لم ينطلقوا من الفرضيات المجردة بل من الطبيعة الإنسانية.

6

अज्ञात पृष्ठ