मुश्किलात माका ग़ुरबा
مشكلات مع الغرباء: دراسة في فلسفة الأخلاق
शैलियों
من اللافت في هذا الصدد أنه عندما يأتي فريدريك جيمسون لوصف النظام الخيالي عند لاكان يستخدم تلقائيا لغة بيركلي؛ حيث يتحدث عن «انعدام الفرق بين جوهر «شيء» وصورته المدركة التي ليس لها مدرك.»
37
فالأشياء في عالم بيركلي المتمحور حول الإنسان لا توجد إلا إذا كانت (بعبارة هايدجر) «بين أيدينا»، مقدمة إلينا، متمركزة بلا حيلة حول البشر. وينغمس في مقال خارج نطاق عمله بعنوان «اللذات، الطبيعية والخيالية» في تصور طريف بأن العالم خلق من أجله هو شخصيا: «إن الأشياء المختلفة التي يتألف منها العالم تكونت بصورة طبيعية لتمتع حواسنا ... لذا، فمن المألوف لدي أن أعتبر نفسي ذا ملكية طبيعية لكل شيء يسبب لي السرور ... فإن لي ملكية في الجزء الزاهي من كل العربات المذهبة التي أراها، التي أعتبرها ملذات صنعت لتمتع عيني ...»
38
وفي نوع من المحاكاة الساخرة المسلية لنظريته المعرفية، فإن كل الأشياء يكمن جوهرها في تلذذه هو بها، كما قد يتصور عنها عند الطفل أمام ثدي أمه.
يصمم بيركلي، شأنه شأن عدد من علماء اللاهوت الأيرلنديين في القرن الثامن عشر، على معارضة التبعات اللاهوتية لمذهب التشكيك التجريبي، وهو مذهب تشكيك هدد بهدم مذهب كنيسة أيرلندا التي كان هو نفسه أسقفا لامعا فيها؛ ومن ثم السلطة الاستعمارية الأنجلو أيرلندية التي كان عضوا فيها هي الأخرى. ورده الفلسفي على هذا الخطر هو نسخة براقة من المثالية التي مثلت التيار الرئيسي للفلسفة الأيرلندية من جون سكوتس إريجينا حتى ويليام باتلر ييتس. ولم يكن للعقلانية والتجريبية الإنجليزية أكثر من وجود سطحي في الجزيرة المجاورة، لعوامل ليس أقلها تراثها اللاهوتي، فإن كان مذهب لوك التجريبي يصنع فجوة بين الشيء والمفهوم تتعرض فيها المعرفة الحقيقية لخطر الاندثار، فإن بيركلي يسعى لرأب هذا الصدع بإعادة تعريف الظواهر ذاتها بأنها ليست سوى عقد من البيانات الحسية. إذن، فليس المقصود بهذه المثالية إنكار وجود الأشياء بل إعطاءنا سبيلا إليها لا عائق أمامه. وخلال ذلك، يدفع بيركلي بمنطق التجريبيين إلى حده الأقصى الذي ينهار عنده؛ فهؤلاء الفلاسفة الإنجليز بينما يزعمون أننا يمكن أن نعرف جوهر الأشياء، فهم يؤكدون في الوقت ذاته أن المعرفة كلها مجرد بيانات حسية، والبيانات الحسية علامة على جوهر الشيء وليس الشيء نفسه.
إن السر الكبير الذي يكشفه بيركلي بزهو، كما الطفل الذي يعلن في سذاجة عن تعري الإمبراطور في قصة هانز كريستيان أندرسون «ملابس الإمبراطور الجديدة»، يكمن في أن ما تخفيه مظاهر الأشياء هو حقيقة أنه لا شيء وراءها؛ لذا فهي من ثم ليست مظاهر على الإطلاق، وأن هذا القلب الجامد الذي نسميه «الجوهر» واه كما الخيال. فإن كان الرب موجودا في قلب كل شيء، وإن لم يكن الرب (عند بيركلي بقدر إريجينا) ذاتا على الإطلاق بل مجالا ساميا غير محدود من العدم المطلق، إذن فإن ما يوجد الظواهر هو نوع من اللاوجود أو العدم اللامتناهي؛ فالعالم - كما عند القديس أوجستين - يمتلئ بالعدم من أقصاه إلى أقصاه. فالقول إن الأشياء عديمة الجوهر يعني القول إنها عبارة عن الشكل البليغ للإله؛ فالرب - العدم المطلق - له نفس أصلها، فالشيء الصغير المراوغ المعروف بالجوهر ما هو إلا شيء وهمي يملأ فضاء النظام الواقعي، وهو ما يعني عند بيركلي الوجود الذي لا يطاق للرب. وبما أن الرب لن يكون له وجود ملموس على الأرض من دون فك رموز خطابه المتمثل في عملية الإدراك الإنساني، فوجودنا ذاته ضروري على النحو الموجود في النظام الخيالي، ومحتمل في النظام الرمزي، فنحن والعالم موثقان معا، وإن في تجربتنا الحسية المباشرة، كما عند الطفل الصغير، يتشكل هذا الوثاق. ومن هذا المنطلق، تعد رؤية بيركلي رؤية خيالية بصفة كبيرة؛ لذا ليس من الغريب، في ظل ما قلناه بالفعل عن هذا الموضوع، أن يظهر بيركلي في بحثه «نظرية جديدة في الرؤية» كمفكر فينومينولوجي قبل ظهور المصطلح، منشغل بشدة مثل مواطنه بيرك بالجسد والبديهة الحسية والتناسب بين أعضاء الحس. ورصد بعض المعلقين في تجنب كلا المفكرين للأفكار المجردة ولعا غيلي الصبغة بالتحديد بما هو مادي.
لم يصمد مفهوم الخير الذي كان سائدا في القرن الثامن عشر أمام ظهور جيريمي بنثام؛ فمع دخول مجال العاطفة بالتدريج إلى نطاق الملكية الخاصة، فقد القدرة أكثر وأكثر على توفير نموذج للمجال العام، بل هجر مفهوم الخير الفلسفة الأخلاقية وسكن في ذلك المبحث الأخلاقي الذي نعرفه بالأدب الواقعي. ولن نبالغ إذا ادعينا أن الوريث الأكبر لشافتسبري وهتشسون هو تشارلز ديكنز. كانت الرواية وقتها تمثل أقوى ترياق للأنانية البشرية، بهيئتها المتعددة الأصوات بقدر محتواها الإنساني، فإنجلترا الصناعية الرأسمالية أكثر تشابكا وعتمة من ملهى في مدينة وايتهول؛ لكن الرواية أداة ذات حساسية لا مثيل لها لسبر أغوار العلاقات الباطنة والروابط المحيرة. أو أداة لإبراز تجربتنا وتوسيع اتصالنا بأقراننا من البشر فيما وراء حدود حياتنا الشخصية، وذلك كما تقول جورج إليوت في مقالها «التاريخ الطبيعي للحياة الألمانية»؛ فهي إذن ترياق للنظام الخيالي وللمصلحة الشخصية. إن الرواية - قبل كل شيء - هي ما يمكننا من خلالها أن نسبغ صورة خيالية على تلك المناطق المغمورة من الحياة الاجتماعية التي تمتد فيما وراء تجربتنا الشخصية، وأن نستحضر خلال ذلك إحساسا بالألفة مع الآخرين المجهولين لنا. والعدوان اللدودان لهذا الجنس الأدبي هما الأنانية والهوية المجهولة؛ إذ توجد أسباب ملحة سياسيا وأسباب إنسانية تثير الإعجاب وراء إثراء العواطف هذا، فالمجتمع الذي لم يعد قادرا على فهم نفسه باعتباره مجتمعا من المشاعر عرضة لخطر الصراع والانقسام.
لكن - ومع إبعاد العاطفة بصورة متزايدة عن المجال العام، وإعادتها إلى الدائرة الخاصة ليكون محلها وسط مجموعة من غريبي الأطوار الطيبين والشواذ اللطفاء - بدأت تنمو بصورة غير صحية ومستهلكة للذات. ليست مصادفة أن يبلغ تيار العاطفة أوجه وسط طواحين الفيكتوريين الشيطانية المظلمة؛ فالرحلة الشاقة من براونلو الكريم في رواية «أوليفر تويست» إلى المتأنق هارولد سكيمبول في رواية «البيت الموحش» هي رحلة من دفاع مؤثر عن الشعور إلى إدراك محبط بأنه قد يكون جزءا من المشكلة بقدر ما هو جزء من الحل.
هوامش
अज्ञात पृष्ठ