मुश्किलात माका ग़ुरबा
مشكلات مع الغرباء: دراسة في فلسفة الأخلاق
शैलियों
20
ويستخدم لورنس ستيرن عبارة «التجارة العاطفية» مع أخذ المعنى الاقتصادي في الاعتبار تماما؛ فالعلاقات الاقتصادية بين الناس تعمق تعاطفهم المتبادل وتهذبهم وتزيد قنوات الاقتصاد سلاسة وفاعلية؛ فالتجارة باعتبارها صورة مادية من الحوار المتحضر تجعل الفرد أكثر انصياعا وأكثر اتفاقا مع الجماعة، وهي عقيدة قد يجد المرتبطون بشخصية مول فلاندرز لديفو أو شخصية السيد باوندربي صعوبة في الإيمان بها؛ فالثروة التجارية بصفتها ذات طبيعة انتشارية متقلبة تتوافق مع تقلبات التعاطف الإنساني، وتمثل نفس هذه الخاصية الزئبقية ثقلا كبيرا يوازن عجرفة السلطة الأوتوقراطية.
إلا أن شعائر القلب هذه كان لها جانب مثالي بالإضافة للجانب الأيديولوجي؛ فالإحساس - دون غيره - كان ربما أثرى نقد لعقلانية التنوير التي تمكنت الثقافة البريطانية فيما قبل الرومانسية من تكريسها. ربما دفع الشعور عجلات التجارة لكنه هدد كذلك بإخراج المشروع برمته عن المسار تحت شعار رؤية متمحورة على الذات وأقل بلادة للمجتمع الإنساني. تعلق جانيت تود قائلة: إن الرجل العاطفي «لا يدخل النظام الاقتصادي الذي يدينه؛ ويرفض العمل في سبيل تحسين نفسه أو المجتمع.»
21
فثمة مسحة من التسكع البنياميني فيما يتعلق بالرجل الحساس الذي يتعارض إحساسه الغزير ورفضه المعتد أو العاطفي للتفكير مع النظام النفعي البليد، فتجاهله المختال للتناغم - وكذلك اعتياده العطاء في سبيل ذلك تماما - يمثلان هجوما ضمنيا على عقيدة قيمة التبادل بصورة تشبه كثيرا المبالغات اللاحقة لأمثال أوسكار وايلد. وفي الوقت ذاته فإن تجاهل التناغم كان بالضبط ما لم يتمكن نقاد المذهب العاطفي من تحمله، فالإفراط في الإحساس يعني العجز عن تمييز الأساسي من الهامشي؛ حيث إن «الشعور» ذاته لن يقدم لصاحبه أي دليل على تلك الفروق الجوهرية، فالمذهب العاطفي - والأدب الذي نتج عنه - يميل نحو الغرابة والاستطراد والتفرد، حيث يفضل البريق الباهت لزهرة الثلج على قضية كإصلاح السجون، فهو نظام أخلاق مترف من جميع النواحي.
إلا أنه ثمة حاجة لمثل هذه «العلاقة» العاطفية في نظام اجتماعي لم يعد يحفظ تماسكه دولة مستبدة، فالمجتمع الفردي يحتاج لإطار من التضامن كي يحتوي نزعاته الفوضوية، وإلا فإن هذه النزعات تمثل خطرا يؤدي لتخريب المؤسسات التي تسمح لها بالازدهار؛ لكنه مع ذلك تضامن يزداد تحقيقه صعوبة نظرا إلى تعرض العلاقات الاجتماعية لخطر اختزالها إلى علاقات عقدية بحتة، والسلطة السياسية إلى مجرد أداة، والأفراد أنفسهم إلى وحدات معزولة. ويقارن آدم فيرجسون على نحو متشائم في عمله «مقال عن تاريخ المجتمع المدني» بين التضامن في الثقافة القبلية والأفراد «المنفصلين والمنعزلين» في الحياة المعاصرة الذين «انقطعت لديهم روابط العاطفة». وفي ظل هذه الظروف، ليس من الغريب أن يلجأ الرجال والنساء إلى العواطف الطبيعية ليضمنوا لأنفسهم درجة من الرفقة في ضوء توفرها المتضائل في العالم الاجتماعي، فما لا يمكن أن نجده في الثقافة الإنسانية يجب الآن إيجاده في الطبيعة الإنسانية.
في ظل نظام اجتماعي يقوم على المصلحة الذاتية، من المنتظر أن تبدو مكامن الفضيلة العامة غامضة. فكما قال آلاسدير ماكنتاير، لم يعد من الممكن في مثل هذه الظروف تناول القواعد والعلاقات الاجتماعية بطرق تشير ضمنيا إلى الالتزامات والمسئوليات الأخلاقية.
22
وعليه تترك مثل هذه الالتزامات معلقة، تماما مثلما تحررت المشاعر - عند العاطفيين الأكثر إفراطا - من الأشياء التي من المفترض أن ترتبط بها لتصير كيانات غريبة قائمة بذاتها شبيهة بالأشياء. وبما أنه لا يوجد في بنية المجتمع ما قد يدفع أفراده إلى المساعدة والعاطفة المتبادلة، فإن القدرة التعاطفية يجب أن تنقل إلى داخل كل رجل وامرأة، وأن تطبع كغريزة تشبه الجوع أو حماية النفس؛ فالإنسان يسر بالخير بقدر ما يستمتع برائحة عطر، أو يشعر بالغثيان بسبب رائحة نتنة. ومن هذا المنطلق يمثل عصر العقل - الذي تزداد فيه أهمية المنفعة والتكنولوجيا والتفكير العقلاني - أيضا ثقافة تنصب على القلب، على البكاء والحنان. وفي مملكة الفردية التملكية، يضطر الحب والخيرية إلى الانتقال من الدائرة الخاصة الداخلية ليصيرا مجازين ذوي مغزى أعم وأشمل. وعلى أكثر التقديرات المتشائمة، العاطفة - تلك الطريقة السريعة الغريبة غير اللفظية في تبادل الإشارات أو الحدس - ربما هي الصورة الوحيدة المتبقية من السلوك الاجتماعي في عالم من الأفراد المنعزلين البائسين.
إن التحول إلى الذات خطوة حكيمة؛ لكنها في الوقت نفسه خطيرة؛ إذ إن تثبيت المجتمع السياسي على دعائم العواطف الطبيعية يعني بوجه ما إمداده بأقوى أساس يمكن تصوره، وتركه من وجه آخر عرضة للخطر على نحو مقلق، فالمجتمع الإنساني عند ديفيد هيوم يظل متماسكا في النهاية بسبب عادات الشعور، وإذا لم يوجد ما هو أشد قسرا من الناحية الروحية فليس هناك ما هو أكثر استعصاء على الإثبات العقلاني؛ فأهمية المشاعر سببها أنها تقدم دوافع للسلوك بشكل قد لا يمكن للقواعد العقلانية وحدها فعله. وكذلك الحال مع العقلانية في الوقت الحاضر، فكما يشير جيه إم بيرنشتاين، فإن الأخلاق التواصلية لدى يورجين هابرماس تجريدية تماما، لكن إن أريد تجسيد قواعدها العامة في صورة دوافع مقنعة، فيجب أن يعاد ربطها بالممارسات اليومية.
अज्ञात पृष्ठ