وقالت: «أعتقد أن جرحي أعمق من أن يطيب بالدموع. أعتقد أنني أشبه بمن قتل. ليته كان لدي شيء أفعله بخلاف الأعمال المنزلية اليومية، شيء مختلف، شخص يحتاج إلي! أردت أن تعود مولي معي، لكن بدا أن لديها أشياء تستدعي أن تمكث في البلدة، فأرادت هي أن أبقى معها؛ لكن رغم بشاعة المنزل الآن ولولي لن تعود إليه مجددا أبدا فإنني لا أراني قادرة حتى على التفكير في مغادرته. لقد كان مصابي أليما جدا، لخسارتي جاري وكل الضوء والحب والمرح الذي كان في حياتي وبيتي. وأنا لن أتحرج من إخبارك يا جيمي بأن سيد النحل لم يحبني البتة. فقد كان قلبه محطما من ناحية النساء.
لا أعلم كل التفاصيل، لكنني أعلم المهم. فقد كان متزوجا من زوجته الأولى التي يعشقها، وبعد موتها استسلم لخداع امرأة أخرى أوهمته أنها سترعى طفلته وتعطيه أسرة وتواسيه. لكنها لم تكن امرأة مناسبة وقد جاءته ومعها ابنة، ثم وقعت مأساة ألمت بابنة سيد النحل الصغيرة. لا أعتقد أنه استطاع إثبات ما حدث، لكن أظن أنه كان يشعر في سريرة نفسه أن الطفلة الأخرى قد دفعتها كي تموت، وحين وصلوا إليها كان عمودها الفقري قد أصيب ولم تستطع السير مرة أخرى أبدا. وكان عذابها رهيبا حتى إنها لم تستطع تحمله طويلا. وحين ماتت ترك كل شيء لتلك المرأة مستبقيا ما يكفي لشراء هذا المكان، ثم طلب من المحكمة أن تمنحه حريته كي يطلقها ثم جاء إلى هنا. كان حرا بعد أن طلقها وكان باستطاعته أن يتزوجني، لكنه لم يرغب في. لم يرغب في أي امرأة بتلك الطريقة. لقد نال عقابه. فقد أنهكه الأسى والإحباط. إنه لم يحبني، لكن آه، يا جيمي! لقد أحببته! لم أستطع أن أمنع نفسي من حبه. وكلما نظرت إلى مقعده بجانب المدفأة، رأيت شعره الأبيض الحريري، وجبهته الشماء، ووجهه النحيف النحيل الرقيق مثل الورق المصنوع من الجلد، دوما كريم، ودوما صبور ... كنت على استعداد للتضحية بحياتي لمواساته! وحين أدركت أن هذا لا يمكن أبدا، رحلت لولي، رحيلا مباغتا ومن دون أي داع.
إنني لا أستطيع أن أفهم ما حدث يا جيمي! لم يكن ثمة سبب يستدعي رحيلها عن ديارها. فقد كانت درجاتها جيدة دائما. وكانت متفوقة في دراستها. وقد عرض عليها وظائف هنا مع نهاية الحرب حين كان المدرسون قليلين جدا، حين كان العديد جدا من الفتيات يفضلن حرية العمل في المتاجر والمكاتب على قيود التدريس. لا أستطيع أن أجد مفرا من حقيقة أنها رحلت لأنها لم ترد البقاء في المنزل. لم ترد البقاء قربي، ولا أعلم السبب. فقد كنت أمضي الأيام وأسهر الليالي وأنا أحاول التفكير في أشياء ترضيها، لكنني لم أستطع مواكبة التطور. لا أستطيع الإقرار بأن الكثير من الأشياء التي يفعلها الشباب صحيحة. ولا بأنهم لن ينتهي بهم الحال في مهانة وألم وربما موت، وها هي قد لاقت حتفها ومن حادثة تافهة هينة فحسب. لا بد أن قدمها زلت على الجبل، وذلك ما لا أستطيع استيعابه. فقد كانت قدمها راسخة مثل الماعز. فقد قضت حياتها كلها على الجبال. آه يا جيمي، لا جدوى من ذلك كله. ماذا أنا فاعلة؟»
عندئذ تردد جيمي.
ثم قال: «لقد جئت إليك، يا مارجريت، لأخبرك بقصة مفجعة، لكن ما سأحكيه يبدو هينا مقارنة بما تقاسينه.»
استقامت مارجريت كاميرون في مقعدها. وسحبت يديها من بين يدي جيمي ووضعت إحداهما على رأسه.
وصاحت: «آه، يا بني، يا بني المسكين!» وتابعت: «هل فعلها ذلك الجرح الفظيع وانفتق مرة أخرى؟ هل سنضطر إلى أن نعيد الاعتناء به مجددا؟»
أسرع جيمي ليطمئنها: «لا! لا!» ثم أضاف: «ليس ذلك. إن جانبي على ما يرام. وإنني متأكد بدرجة كبيرة أنني لن أضطر إلى وضع ضمادات أو أربطة لمدة تزيد عن شهرين أو ثلاثة أشهر أخرى. لم أستطع أن ألتزم تماما بالنظام الغذائي منذ غيابك لأنني لا أجيد الطهو على نحو جيد؛ لذلك لم يتيسر لي الحصول على ما كنت بحاجة إليه.»
راحت مارجريت كاميرون تمسد شعره.
وقالت: «أعتقد أنك كل ما تبقى لي يا جيمي. أعتقد أنك صرت شغلي الشاغل. إن بقائي في المنزل لهو الجحيم بعينه والأشد عذابا هو مغادرتي إياه. لا أظن أنني قادرة على الذهاب إلى مولي. إن أرادت هي أن تكون معي، فستضطر إلى أن تأتي إلى هنا. وأما أنت يا فتى، فإن لم يكن جنبك ما يتعبك فما هو؟»
अज्ञात पृष्ठ