[3] حسن العقبى
55 - [ومما سمعته أن ابني عمر الأخباري لما مات أبوهما، وكان من رجال دولة المتوكل، هم المتوكل بمصادرة أمواله. فعزما أن يجعلاها وديعة عند شيخ كانا يريان فيه الصلاح وحسن المذهب، فكانا يبعثان إليه].
بالشيء بعد الشيء مما تخلف عن تلك الوديعة، وعجوز تختلف بذلك، لها ولد يتشطر ويلعب بالحمام، فوردت عليهما بدرة دراهم، وقد انتهى بهما السعي في الإيداع. فقالا للعجوز: ((صيري بها إلى ابنك مع هذا الغلام حتى تودعيها لنا عنده))، فمضت بها والغلام معها، فحدثنا الغلام قال:
((صرنا إليه وقد فتح باب البرج وأخرج فراخا زغبا، وهو ينظر إليها، فأدينا الرسالة إليه، فقال: ((ليس لي خزانة ولا صندوق، ولكن اجعلها في هذه المحضنة الخالية من البرج))، قال: ((ففعلت)).
وانصرفنا جميعا على أنه يمزقها مع الغلمان وسباق الحمام.
ثم صلح ما كان التاث من أمرنا، واطمأنت نفوسنا مما كان أخافنا، فبعثنا فيما كنا أودعناه الشيخ، فقال للغلام: ((غلطت بي، وليست الرسالة إلي))، فلما رجع بالجواب إلينا، تحيرنا وركبنا إليه، فاستمر في الجحود، وتضاحك مما #86# لقيناه به، ورجعنا وقد لحقنا من فقد الوديعة أكثر مما كنا نخافه من النكبة. وميلنا بين مطالبته بما ننبه به على مقدار ما أودعناه، ونطمع من خفناه، وبين الإمساك عنه، وتربص الأيام به، فمالت نفوسنا إلى الإمساك لما اجتمعت لنا الصغائر المغادرة للعدل. واجتازت بنا العجوز فقالت: ((قد رددنا ما أودعناه وبقي ابني)). واقتضتنا الغلام يحمل البدرة فبعثنا به معها.
فحدثنا الغلام قال: ((وافيناه بين يدي البرج، فأدت العجوز إليه الرسالة، فقال للغلام: ((ادخل فخذها من المحضنة التي خلفتها فيها))، فصار بها إلينا الغلام وعليها ذرق الحمام، فوزناها فوجدناها على ما كانت عليه. فكثر تعجبنا من أمانته؛ وأخرجنا من البدرة ألف درهم، وتقدمنا إلى الغلام بالمصير بها إليه. فرجع الغلام إلينا فقال: ((رمى بها إلي وشتمني))، فآثرنا ارتباطه، وقلنا للعجوز: ((صيري به إلينا الساعة!))، فوافانا، فقلنا: ((انبسطنا إليك فانقبضت عنا!))، فقال: ((الخيانة -أعزكم الله- أسهل من أخذ أجرة على الأمانة))، فقلنا: ((جزاك الله خيرا، فقد وجدنا فيك ما لم نجده في غيرك))، فقال: ((وتخلف عنكم شيء مما أودعتموه))، فقلنا: ((نعم!))، فقال: ((عروفني، فإني أرجو أن آخذه لكم بألطف حيلة))، فرأيناه -لما فيه من فضل النفس وكرم السجية- أهلا لأن نبثه وجدنا، فأخبرناه؛ فقال: ((ينبغي أن تتقدما إلى بعض من تثقان به من غلمانكما، أن يتيقظ؛ فلعلي أن أناديه الليلة))؛ فقلنا: ((وما تريد بذلك؟))، فقال: ((ما لا يجوز أن أبديه، وأرجو عون الله عليه، والتفريج عنكما به)) ففعلنا ذلك، وما يتطاول سؤلنا إلى ما أتاه.
فجمع إخوانا له في عدة كثيرة من الشطار، واقتحم على المستودع وقال له: ((ما جئنا لنهبك، ولا نتعرض لشيء من مالك، وما جئنا إلا لوديعة ابني عمر الأخباري. فإن أديتها خرجنا وكأنا ما دخلنا. وإن جحدت واعتمدت بصياح قتلناك الساعة، وسهل علينا عقوبتنا فيك وقتلنا بك، لأنا نرزق الشهادة في القتل والمثوبة، إذ كنا نجاهد عما اختزلته))، وضرب إلى لحيته وأعجله، فقال: ((هي في هذه الخزانة))، ودعا بغلام فقال: ((أخرج جميع ما [أودعناه ابنا] عمر))، فأخرج سفطا كان فيه جواهر، وسفطا فيه أثواب وشي مذهبة صحاحا، وبدورا فيها مال، فقال: ((والله لئن خلفت شيئا لنطلن دمك، ولئن كنت أديت الأمانة لنكونن أولياءك والمقيمين بأمرك)).
فوافوا باب منازلنا، فصاحوا بالغلام وهم يحملون الوديعة، فوضعها بين أيدينا وحدثونا بحديثهم، وقال: ((استعرضوا وديعتكم، فنحن في الدهليز حتى تفرغا وتخبرانا: هل بقي منها شيء أم لا؟))، فلما عرضناها على ثبتها عندنا، ما غادرت شيئا منه، وعادت بما رد إلينا نعمتنا، وانحسمت فاقتنا، ولم نجد في الجماعة من قبل شيئا مما بذلناه، وانصرفوا)).
पृष्ठ 85