والظلمة إنهما يتخلصان بعد هذا الامتزاج، ثم لا يعودان في الامتزاج، ما علمكم بذلك؟ ولعلهما يتخلصان مائة ألف مرة، ويمتزجان مثل ذلك، ولعلهما ليس لامتزاجهما وتخلصهما مرة بعد أخرى نهاية وإن اعتلوا بالأخبار، وتركوا مشاهدة العيان، فذلك الذي سألناهم عنه من افتراقهما بعد الامتزاج أنه لم يكن لهم فيعاينوه، ولا ههنا مشاهد، فأين لهم بالأمان من عودة بعد عودة إلى ما لا يتناهى من المزاج؟ ويقال لهم في قولهم : إن الخير فعل النور، والشر فعل الظلمة، والخير هو الوفاء والصدق والبر، وجميع أفعال الخير، فذلك كله من شأن النور، ومن شأن الظلمة القتل والسرقة والزنا، وجميع أفعال الفجور، فيقال لهم في ذلك: أخبرونا عن رجل قتل رجلا، من القاتل؟ فإن قالوا: النور تركوا قولهم، وزعموا أن النور يفعل الشر، فإن قالوا: الظلمة قتلته قيل لهم: فإن هو جاء فاعترف بأنه قتله، وتاب عن قتله، من المقر التائب؟ فإن قالوا: الظلمة قيل لهم: فقد صدقت، والصدق خير، وهذا فساد المذهب، وإن قالوا: المقر التائب هو النور، قيل لهم: أو كان النور فعل شيئا فيقر به؟ فإن قالوا لم يقتل، وإنما أقر أنه قتل، قيل لهم: فقد كذب وظلم نفسه، والكذب شر، وليس ذلك من فعل النور (¬1) ، فلا بد من أحد أمرين: إما أن تقر الظلمة بالقتل وتعترف بأنها قد قتلت (¬2) فتصدق، والصدق خير، والخير لا يكون منها، وإما أن يقر النور بأنه قتل وهو لم يفعل، فهذا كذب، والكذب شر، وليس هو من فعله، ويقال لهم: ما تقولون فيمن غضب على رجل ثم (¬3)
¬__________
(¬1) - من مبادئ المانوية: إنهم لا يرون الذبائح ولا إيلام الحيوان، ولا يعرفون من الأنبياء عليهم السلام إلا عيسى -عليه السلام- وحده، ويقرون بنبوة "زرادشت"، ويقولون بنبوة "ماني".
(¬2) - في (ب) قاتله بدلا قوله (قد قتلت).
(¬3) - في (ب) بزيادة لفظ (قد)..
पृष्ठ 37