وإنما ذكرنا تأويل المشبهة لهذه الآية؛ لأنه يشبه تأويل أصحاب الرؤية للآية التي ذكر الله فيها الزيادة. عن عاصم بن كليب قال: رأيت سعيد بن جبير غضب غضبا شديدا لم أره غضب مثله قط، فقال: أتقولون قولا عظيما، يعني التشبيه الذي ذكروا، قال سعيد: إنما يعني يوم يكشف عن الأمر الشديد (¬1) ، ثم قال سعيد في حديث ابن كليب: لو علمت من يقول هذا التشبيه لفعلت وفعلت، فإن قالوا: قد قال الله عز وجل لموسى _صلى الله عليه وسلم_: {ولتصنع على عيني} (¬2) فوجب علينا أن نجعل له عينا كما قال، قلنا: فقد قال لنوح _صلى الله عليه وسلم_: {واصنع الفلك بأعيننا} (¬3) ، وقال: {تجري بأعيننا} (¬4) ، فقالوا: إن له عيونا، ويجب عليكم إذا قضيتم بظاهر اللفظ على المعاني، ولم تصرفوه إلى ما يجوز أن تقولوا: لا ندري لعل له ثلاثة أعين، أو ثلاثين عينا؛ لأن قوله أعين يحتمل ذلك وغيره، وأنتم إذا جعلتم له عينا فإنما تذهبون إلى ما تعرفون من صورة آدم _صلى الله عليه وسلم_، وذلك على قولكم: إن الله خلق آدم على صورته (¬5) ،
¬__________
(¬1) يؤيد ذلك ما يرويه الطبري عند تفسيره لهذه الآية قال: قال جماعة من الصحابة والتابعين من أهل التأويل: يبدو عن أمر شديد، وقال: حدثنا ابن حميد قال: "ثنا مهران عن سفيان عن المغيرة عن إبراهيم عن ابن عباس يوم يكشف عن ساق" قال: عن أمر عظيم.
(¬2) سورة طه آية رقم 39.
(¬3) سورة هود آية رقم 37.
(¬4) سورة القمر آية رقم 14. يقول الزمخشري: "بأعيننا" في موضع الحال بمعنى أصنعها محفوظا برعايتنا. ويقول الرازي في أساس التقديس عند الكلام على العين: لا بد من المصير إلى التأويل؛ وذلك هو أن يحمل هذه الألفاظ على شدة العناية والحراسة، والوجه في حسن هذا المجاز: أن من عظمت عنايته بشيء وميله إليه ورغبته فيه كان كثير النظر إليه، فجعل لفظ العين التي هي آلة لذلك النظر كناية عن شدة العناية".
(¬5) سبق تخريج هذا الأثر قريبا من هذا..
पृष्ठ 143