وقفت بمحاذاتها أنظر في وجهها الحائر وسط هذا الليل الذي يطيب فيه الهواء، وكانت النسمات الرهوة تداعب شعرها الأشقر، وعنقها يشع متوهجا .. رمقتني بنظرة مسروقة وما لبثت أن أدارت وجهها الشفاف المتألق. حركت في أعماقي موجة عاتية من اللهفة المجنونة ما جعل الأمور تبدو أكثر وضوحا؛ لأجترعها على مهل، وأنبس بكلمة لتشق الطريق إلى ما يريده كلانا: أوشك الفجر على الانبلاج .. قد تتأخرين.
أزاحت بضع شعرات عن عينها الزرقاء، وارتسمت بسمة خفيفة على ركن شفتيها، ثم قالت: ذهب زوجي في مهمة وقد يغيب أسبوعا عن المنزل.
نظرت متوترا إلى الخلف ورحت أجوب المكان بعيني باحثا عن المدير، وباندفاع مرتبك اقتربت منها وتقلصت المسافة بين عينينا حتى أحسست بأنفاسها الحارة تغسل خدي، وهمست: هل نتجول قليلا؟
ودون أدنى إجابة مشينا في شوارع المدينة التي تسترخي ببطء وكأنها تذوب في الليل، وعدة أضواء متناثرة تتلألأ هنا وهناك، أما الخوف فقد هرب مني وسقط خلفي غير مكترث ؛ فرجال الشرطة لا يقبضون عادة على عشاق آخر الليل. - تعرف أنني متزوجة، أليس كذلك؟ - وأعرف كم أنت ..
مرت دورية شرطة فلذت بالصمت قليلا وابتلعت ريقي، ثم حاولت أن أكون طبيعيا حتى لا تدرك شيئا عني، رمقتني بنظرة تكسوها بسمة خبيثة وهي تقول: تبدو خائفا ... هل أنت عربي؟ - أبدا. ولكن أنا .. لا، لا شيء.
ترددت قليلا وانسل الخوف إلى أضلعي وأطرافي، واجترعت الصمت الحائر متوترا أنتظر فرصة ما تسنح لي بالتهرب منها والاختباء ريثما يطلع الصباح، تأملت في عيني قليلا وهي تقول: لا تخف. - أنا مضطر للعودة .. قد نلتقي في يوم آخر.
وهممت بالرحيل، فأمسكت بيدي وجذبتني إليها لتهمس في وجهي: قلت لك ألا تقلق، فلن أشي بك.
التفت يمينا ويسارا وقلت برجفة في لساني: لماذا؟ - لأنني لا أحب الشرطة كما أن زوجي غائب عن البيت كما أخبرتك. - وما شأنه؟ - العرب أقل حماقة مما أنت عليه.
تنهدت وهي ترمقني بنظرة مثيرة، وشعرت بحرارة في وجهي الذي بدأ يتعرق، وضعت يدي برفق على خصرها من أسفل ظهرها ثم نبست: سيطلع الصبح بعد أقل من ساعتين.
قالت مستثارة: ألا تكفي؟
अज्ञात पृष्ठ