وكان الإنجليز في إنذارهم البريطاني قد طلبوا فيما يختص بالسودان توسيع مساحة الأطيان، التي تزرع في الجزيرة من ثلاثمائة ألف فدان إلى مقدار غير محدود تبعا لما تقتضيه الحاجة ...!
فردت وزارة سعد باشا قبل استقالتها على هذا الطلب بأنه سابق لأوانه؛ لأنه طبقا للتصريحات المتكررة يجب أن تحل هذه المسألة باتفاق الطرفين، وقد بعث المندوب السامي اللورد اللنبي إلى الوزارة في نفس اليوم بمذكرة ينبئها بأنه قد أرسل إلى حكومة السودان، بأنها أصبحت مطلقة الحرية في زيادة المساحة، التي تروى في الجزيرة إلى مقدار غير محدود ...!
وقد كانت مهمتي التي وكلها إلي زيور باشا صعبة، وكانت مسألة السودان شائكة، وكلما خرجنا من صعوبات وضعوا أمامنا صعوبات أخرى، ولكنني استطعت في تلك الظروف العصيبة أن أحصل على تأكيد من الحكومة البريطانية بأنها لا تنوي مطلقا الافتئات على ما لمصر من حقوق تاريخية وطبيعية في مياه النيل، وبعث اللورد اللنبي إلى الوزارة بخطاب رسمي يعترف بهذه الحقوق، ويقول فيه:
على أن الحكومة البريطانية إثباتا لحسن نيتها، مستعدة لإصدار تعليمات إلى حكومة السودان بألا تنفذ ما سبق إرساله إليها من التعليمات، فيما يتعلق بتوسيع نطاق ري الجزيرة توسعا لا حد له، على أن تؤلف لجنة خبراء من المستر كانتر كريمر رئيسا، وقد وقع الاختيار عليه باتفاق الحكومتين، والمستر ر. م. ماك جريجور مندوب بريطانيا المعين من قبل حكومة حضرة صاحب الجلالة، ومن عبد الحميد سليمان باشا مندوب مصر المعين من الحكومة المصرية ...
وقد اجتمعت اللجنة باتفاق الحكومتين في 15 فبراير سنة 1925 للدرس، واقتراح القواعد التي يمكن إجراء الري بمقتضاها ...
والنتيجة من كل ذلك أن حقوق مصر في مياه النيل تم بشأنها اتفاق حفظ لمصر كل هذه الحقوق، ووقع في ذلك معاهدة هي القائمة حتى الآن.
لماذا حللنا مجلس النواب سنة 1925؟
لا أنكر أننا في وزارة زيور باشا قد أقدمنا على إجراءات جريئة أملتها علينا الظروف العصيبة في ذلك الحين، وشجعنا عليها خوفنا على استقلال البلاد من أن يعصف به عاصف، أو تنتهز الفرصة - فرصة الاضطرابات - لهدمه، وكنا نرغب بكل إخلاص أن ندخل في دور من الهدوء، وتحسين العلاقات بيننا وبين الدولة المحتلة.
وكان الوفد يعتبر في ذلك الحين عدوا متحديا لهذه الدولة خصوصا بعد مقتل السردار، الذي اتهم فيه بعض المنتسبين إلى الوفد؛ لذلك أقدمنا على تعديل قانون الانتخابات، وعلى الرغم من ذلك، فقد كانت شخصية سعد كما قلت شخصية جبارة غمرت البلاد، ففاز الوفد في هذه الانتخابات بالأغلبية، ولو أنها لم تكن ذات خطر، ولما انعقد مجلس النواب وأجريت انتخابات الرياسة فاز سعد زغلول بمائة وثلاثة وعشرين صوتا ضد عبد الخالق ثروت باشا، الذي فاز بخمسة وثمانين صوتا، فرأينا أن هذه النتيجة في المجلس ستدفعنا إلى سياسة بعيدة عن أن تحقق الهدوء، الذي كنا ننشده في ذلك الحين.
لهذا أقدمنا على حل هذا المجلس رعاية للمصلحة الوطنية العليا؛ ولكي نعيد العلاقات الحسنة إلى نصابها حتى نصل بالبلاد إلى ما ننشده لها من خير في جو هادئ يسوده التفاهم، وعدم العنف.
अज्ञात पृष्ठ