71

وكان موقفي بعيدا عن التفاؤل الحسن، ولكن كان الأمر على خلاف ذلك في شرقي الأردن، فقد هرع الناس إلي يدعونني إلى عمان فكنت أجيبهم بأنني فاعل إن شاء الله. وكان البرد في ذلك العام في غاية الشدة فأصبت باليرقان.

أما المخابرة بيننا وبين الحجاز، فكانت تجري بواسطة المخابرات اللاسلكية، وأنه ذات ليلة عندما كانت محطة لاسلكي معان تطلب جدة، إذا بها تأخذ جوابا على الموجة نفسها من ديار بكر، فحيت هذه تلك وتعارفتا وجعلتا الساعة العاشرة مساء موعدا للتحية بينهما. فأخبرني بذلك غالب بك الشعلان، وفي الليلة التالية تلقيت من صديق لي يسمى عبد الله بك، وكان نائبا عثمانيا عن ديار بكر يعرفني وأنا نائب عن مكة، فحياني ببرقية خاصة. وكان الناس هناك يظنون أن ديار بكر ستلحق بالعراق، وكنت المسمى لملك العراق والمبايع له حين ذاك، فشكرته. وقال لي غالب بك الشعلان إنه يعرف مصطفى كمال باشا شخصيا يوم كانا جميعا ضابطين في طابور عثماني بيافا، وإنه يستأذن في تحيته وإبلاغه سلامي، وتكليفه بأن تتعاون الحركة العربية مع الحركة التركية لنجاة الجهتين، فأذنت له ففعل؛ وقد تلقى الجواب من مصطفى كمال باشا بالشكر والامتنان وأن التعليمات اللازمة قد أعطيت إلى كازم قره بكر باشا المتوجه إلى الجنوب مع مجرى الفرات، وأن رموزا جفرية للمخابرات سترسل بصورة خاصة.

وبعد هذا بليال علمت أن الأخ فيصل - رحمه الله - طلب إلى لندن، وقد كان حين ذاك في كوما بإيطاليا. ثم تلقيت برقية من الوالد المرحوم يخبرني بأن حكومة فلسطين تشكو من امتناع الأهلين في شرق الأردن من دفع الضرائب، ويأمرني بألا أربك الحكومات المحلية فيما لها وعليها.

ثم تلقيت برقية من الأخ فيصل من لندن يقول لي فيها إنه قد قابل جلالة الملك جورج الخامس وإنه ذكرني له وقال إنه يعرف الكثير عني، وقال إن الملك وعد - وبالطبع كان الوعد حسب الأصول بموجب رضا الحكومة البريطانية حكومة جلالته - بأن القضية العربية ستوضع على بساط البحث مجددة، وأنه لا ينبغي العمل على ما يهيج الفرنسيين لذلك. وبعد هذا الشرح رجاني الأخ بلزوم الاعتدال وأنه سيوافيني بما يجد.

وقد حضر أخيرا صبحي بك الخضرا ومعه رجال من حزب الاستقلال عملوا على تثبيط الهمم وألا تكون حركات ضد الإفرنج، فلم تكن له هناك قوة على ذلك. وأجبت الأخ بأنني عامل بما يقتضيه الظرف، غير مقيد بأي وعد، وأنه إذا وفق في عمله وعاد ظافرا فسوف لا يجد من الأوطان إلا الرضا والشكران. وقد تم الاستعداد بعد ذلك لدخول شرق الأردن.

ومن ظريف ما وقع وأنا بمعان، ذلك الكتاب الذي تلقيته من مظهر بك رسلان متصرف السلط - مظهر باشا رسلان رئيس الوزراء بشرق الأردن مرة، ووزير التموين أخيرا بسوريا وهو من أعيان حمص - يقول لي فيه:

إنه بلغ الحكومة الوطنية عزمكم على زيارة شرق الأردن، فإن كانت هذه الزيارة لمجرد السياحة فإن البلاد ستقابلكم بالترحيب، وإن كانت لأغراض سياسية فالحكومة ستتخذ كل الأسباب المانعة لزيارتكم.

فأجبته:

إنني سأزور شرقي الأردن زيارة احتلالية، وأنا عينت من الحكومة العربية الملكية بسوريا، وإنني أنوب الآن عن جلالة الملك فيصل ويجب أن تعلم ذلك، وإنه لمن واجبك تلقي الأوامر من معان وإلا فسيعين غيرك محلك.

فركب القطار وزارني بمعان واعتذر، وصار أخيرا من أصدق رجالنا في شرقي الأردن.

अज्ञात पृष्ठ