ظلت أمي تصفعني، ثم تهاوت على الأريكة جالسة وهي تردد في ذهول: لقد جنت!
أشفقت عليها حين رأيت ملامحها ترتخي في انهزام وضعف، وشعرت برغبة قوية في أن أعانقها وأقبلها وأبكي بين ذراعيها، وأقول لها: ليس العقل هو أن أطيعك دائما.
ولكني أبعدت عيني عن عينيها حتى لا تعرف أنني شهدت هزيمتها، وجريت إلى حجرتي.
ونظرت في المرآة وابتسمت لشعري القصير، ولبريق الانتصار في عيني.
عرفت لأول مرة في حياتي كيف يكون الانتصار، الخوف لا يفعل شيئا إلا الهزيمة، والانتصار لا يكون إلا بالشجاعة.
زال مني الخوف الذي كنت أشعر به نحو أمي، سقطت عنها تلك الهالة الكبيرة التي كانت تجعلني أرهبها. أحسست أنها امرأة عادية، وصفعاتها التي هي أقوى ما فيها لم أعد أخشاها؛ لأنها لم تعد تؤلمني. •••
كرهت البيت ما عدا حجرة مكتبي، وأحببت المدرسة ما عدا حصة التدبير المنزلي، وأحببت أيام الأسبوع ما عدا يوم الجمعة.
واشتركت في كل نشاط المدرسة؛ دخلت جمعية التمثيل، وجمعية الخطابة، وجمعية الرياضة، وجمعية الموسيقى، وجمعية الرسم. ولم يكفني ذلك، بل اجتمعت ببعض زميلاتي وكونت جمعية أطلق عليها اسم جمعية الأنس. لماذا اخترت كلمة الأنس؟ لم أدر! ولكنني شعرت أن في أعماقي رغبة شديدة إلى الأنس؛ إلى أنس ضخم كبير لا يؤنسه شيء، إلى مجاميع هائلة من الناس تؤنسني وتحدثني وتستمع إلي وتنطلق معي إلى السماء.
خلت أن أي ارتفاع لن يكفيني، لن يطفئ تلك الشعلة المتأججة في نفسي. وكرهت الدروس المتكررة المتشابهة. كنت أقرأ الموضوع مرة واحدة، واحدة فقط؛ أحسست أن التكرار يخنقني، يقتلني. كنت أريد شيئا جديدا ... جديدا ... دائما. •••
لم أشعر به حين دخل إلى حجرتي ووقف إلى جواري وأنا أجلس إلى كتابي، إلا حين قال: ألا ترغبين في الترويح عن نفسك قليلا.
अज्ञात पृष्ठ