قلنا إن مصر كانت خاضعة للأحكام العسكرية وإزاء الموقف القائم، فقد استدعى القائد العام للقوات البريطانية رجال الوفد المصري يوم 6 مارس 1919، وألقى عليهم هذا البلاغ: «علمت أنكم تضعون مسألة الحماية موضع المناقشة، وأنكم تقيمون العقبات في سير الحكومة المصرية تحت الحماية بالسعي في تأليف الوزارة؛ وحيث إن البلاد تحت الأحكام العسكرية، لهذا يلزمني أن أنذركم أن أي عمل منكم يرمي إلى عرقلة سير الإدارة يجعلكم عرضة للمعاملة الشديدة بموجب هذه الأحكام!»
وبعد أن أتم تلاوة هذا البلاغ، حاول سعد زغلول باشا مناقشته فصاح: «لا مناقشة» ... وتركهم وانصرف.
وعندما انصرفوا من عنده، كتبوا برقية إلى رئيس الحكومة البريطانية، قالوا:
إن وزارة رشدي باشا لما علقت سحب استقالتها على سفر الوفد، قبلت استقالتها نهائيا، وليس لذلك معنى إلا الحيلولة بيننا وبين عرض قضيتنا على مؤتمر السلام، وقد نتج عن هذه السياسة أن أعظم رجال مصر أهلية لإدارة البلاد في هذه الأيام قد رفضوا تأليف وزارة تعارض مشيئة الأمة التي أجمعت على طلب الاستقلال.
فالنتيجة الطبيعية لذلك أن تقع مسئولية بقاء البلاد بلا حكومة على الذين وضعوا هؤلاء في مركز حرج أمام ضمائرهم وأمتهم، غير أن السلطة العسكرية عمدت إلى تحميلنا مسئولية امتناع المرشحين للوزارة عن قبولها.
أنذرتنا السلطة اليوم، وتوعدتنا بأشد العقاب العسكري ... وهي لا تجهل أننا نطلب لبلادنا الاستقلال التام، ونرى الحماية غير مشروعة، كما تعلم بالضرورة أننا قد أخذنا على عاتقنا واجبا وطنيا لا نتأخر عن أدائه بالطرق المشروعة مهما كلفنا ذلك.
وحسبنا أن نذكر لكم هذا التصرف الجائر الذي يجلب سخط العالم المتمدين، حتى تفكروا في حل هذه الأزمة بسفر الوفد، فيرتاح بال الشعب.
وقد اتخذت السلطة العسكرية البريطانية في مصر من رفع هذه البرقية إلى رئيس حكومة لندن مبررا لاستعمال القوة، وظنت أنها بذلك ترهب المصريين، وتزعزع عقيدتهم في عدالة قضيتهم، وفي يوم 8 مارس 1919 تم اعتقال سعد زغلول باشا ومحمد محمود باشا وحمد الباسل باشا وإسماعيل صدقي باشا، ونفوا إلى جزيرة مالطة.
ولقد شبت الثورة بعد نفي سعد باشا وأصحابه إلى مالطة، وحل محله زوجي الذي كان وكيلا للوفد، وقامت حركة السيدات في ذلك الحين مباشرة، وكنت أنا وزوجي نعمل لخدمة وطننا لا لخدمة الأشخاص، وكان زوجي يطلعني على ما يحدث وما ينتظر أن يحدث، ليمكنني من ملء الفراغ الذي يحدثه نفيه أو سجنه، وكان هو الذي نصحني بالاتصال بحرم سعد باشا وحرم محمد محمود باشا وبعائلات أعضاء الوفد.
وكان نبأ اعتقال سعد وأصحابه قد سرى بطيئا ومتناقضا في اليوم الأول؛ لأن القيادة العسكرية حظرت على الصحف نشره أو التلميح إليه.
अज्ञात पृष्ठ