وسكت ...
وقد قلت في نفسي: لقد عادت له عظمته لما فهم من هذه البرقية أن الأمة المصرية ما زالت تؤيده، وما كان ذلك التواضع الغريب الذي لاحظته إلا لظنه أنه فقد شيئا من ثقة الأمة بتحبيذه لموقف نسيم باشا الذي أغضبها، ولكنه فهم من برقية إسماعيل أباظة باشا أن مركزه ما زال محفوظا، وإلا لما تنازل أباظة بكتابة هذه البرقية إليه، وقد زاد في اطمئنانه ذلك الاستقبال العظيم الذي ظهرت بوادره عند دخول السفينة البوغاز، فقد التفت حولها القوارب المليئة بالجماهير الهاتفة باسمه.
صعدت إلى ظهر الباخرة للنزول، وإذ بصفية هانم تقابلني ببرقعها وملاءتها.
فقلت لها: «أين وعدك لسعد باشا بارتداء الإزار الشرعي؟» فقالت: «أنا ليس لي زوج واحد ... واصف باشا غالي استحسن ألا أغير زيي حتى لا أحدث تأثيرا سيئا في المستقبلين» ... فعجبت من ذلك، وصافحتها، ونزلت إلى اللنش الذي كان في انتظاري.
ولما وصل سعد باشا إلى القاهرة، ذهبت إلى بيت الأمة مهنئة إياه بسلامة العودة ... وأعقب ذلك الاحتفال بيوم 13 نوفمبر في كازينو سيروس، ولم أدع إليه كالمعتاد، ولكن الجرائد ذكرت اسمي ضمن الحاضرات وأطنبت في الوصف؛ لدرجة أنها قالت: إنني كنت أقابل المدعوات، وقد عجبت لذلك، ولكني فهمت الغرض من عدم دعوتي، ثم نشر اسمي في الصحف بعد أن خطب سعد باشا خطبته التي أعاد فيها إعلان تحبيذه لعمل نسيم باشا، وذكر مآثره الوطنية حتى أنساه ذلك، ذكرى المحتفى بهما في هذا اليوم التاريخي العظيم، ألا وهما: زوجي علي باشا شعراوي، وعبد العزيز باشا فهمي!
وكان من الطبيعي إزاء ذلك كله أن أنشر بياني في الصحف وأن أؤكد فيه أنني لم أحضر هذا الاحتفال، وبالتالي لم أقابل المدعوات ولم أرحب بهن، كذلك فإنني كنت حريصة على أن أعبر عن رأيي إزاء موقف نسيم باشا من مسألة السودان؛ لأنني كنت على اقتناع كامل بوجهة نظري، ولو اختلفت مع وجهة نظر الوفد كما عبر عنها سعد باشا في خطابه في الاحتفال، وكما قلت في احتجاجي، كنت «أرى من واجبي في الظروف الحرجة التي تجتازها البلاد أن أجاهر برأيي ورأي اللجنة، مجددة احتجاجنا على أعمال نسيم باشا وما نتج عنها من تفريط في حقوق البلاد».
اللجنة والوزارة الجديدة
ولم تكن مثل هذه المواقف والأحداث لتؤثر في اهتمامنا بالأمور السياسية وبمشاكل البلاد، والدفاع عن مصالحها، ومستقبلها.
لقد مضينا على الطريق، وليس لنا من هدف إلا خدمة مصر، فبعد أقل من شهر من أحداث 13 نوفمبر 1923 عبرنا عن موقف لجنة الوفد المركزية للسيدات في الوزارة الجديدة، وكان هذا في البيان الذي صدر في 6 ديسمبر 1923. وهذا هو نص البيان:
سقطت الوزارة السابقة، فكان ذلك دليلا ملموسا على أن إرادة الشعب هي الدعامة القوية التي ترتكز عليها الوزارات، وأن كل وزارة تستخف بإرادة الشعب وتستأثر بالأمر مآلها السقوط، وقد تألفت الوزارة الجديدة، ووعدت بالعمل جهدها لتحقيق أماني الأمة، وقالت: إنها تريد أن يحكم عليها بأفعالها لا بالأقوال، وإنا وإن كنا معها في أن الحكم على الأعمال خير، غير أن الظرف الخطير الذي تجتازه الأمة يستوجب سرعة الإيضاح، وقد رأينا أن الوزارات لا يمكنها الوصول إلى تحقيق شيء من سياستها ما لم تكن حائزة ثقة الأمة مؤيدة منها، وكيف تؤيد الأمة وزارة لا تعرف لها برنامجا، وإن السكوت لا يحمد في هذا الموقف؛ بل تقابله الأمة بكل حذر وتحفظ، وربما تعدى ذلك إلى الريبة، فهل للوزارة أن تزيل هذه الشكوك ببيان توضح فيه خطتها، حتى إذا وافقت مطالب الأمة ساعدتها على تحقيقه، فإن وفقت كان ما تريد، وإن لم توفق تنحت عن العمل، فتكون قد خدمت بذلك بلادها ونفسها.
अज्ञात पृष्ठ