============================================================
وقد ورد ذكر إيراهيم النخعى زهاء أربعين مرة، وكان ابن عبد العزيز معجبا بآرائه، لقوة استدلالاته، ويعلن ذلك لتلميذ أبي غانم غير مارة، ويصرح له بذلك دون موارية، ويبين له أنه يتبع الدليل ولا يظل أسير أقوال الرجال.
وكثيرا ما يسأل أبو غانم ابن عبد العزيز عن سبب اختياره قول ابراهيم وعدوله عن آراء فقهاء مذهبه، فيجيبه قائلا: ""وقول إبراهيم عندي أعدل، وبه نأخذ".
قلت لابن عبد العزيز: سبحان الله، أتأخذ بقول إبراهيم وتدع قول حابر وأبي عبيدة؟ قال لي: أنت رجل مقلد، وما لي لا آخذ بقول من ارى قوله عدلا، نافيا لريبة نفسي، ومبعذا عن مقارفة الخطا. والأخذ بالثقة قول إبراهيم، فاعتمد عليه" (1).
وفي هذا الحوار صورة حية للتلميذ الحريص على الالتزام بفقه مدرسته، وجواب الشيخ المنصف الذي يتخذ الحق وجهته وغايته، لا يعنيه أن يصدر عن إمام المذهب أو أحد تلامذته، أو عن غيره، ما دام يعضده الدليل.
وحين ساد أفق الحوار العلمي المفتوح، عرفت الآراء طريقها إلى الظهور، ثم التدوين والاثراء، مما صيغ فقه المدرسة بصبغة المرونة وتعدد الاراء، والاستفادة من مختلف الرؤى والاجتهادات، وكان ذلك مصدر ثراء وحيوية أمد حلولا واقعية لمشاكل الناس على اختلاف مستوياقهم وظروف معاشهم: ومن الانصاف القول إن مدونات الفقه الإباضية كانت أنموذجا لفقه المقارن منذ الصدر الأول، فيها تأصل منهجه، وطبقت قواعده، ونما (1) - أبو غانم، المدونة الكبرى، ج3، كتاب الوصايا، ص78.
64
पृष्ठ 66